واحدة من أهم القضايا التي لم تتم مناقشتها بشفافية ووضوح فيما يتعلق بنتائج وانعكاسات حالات العنف الاجتماعي التي ظهرت بشكل مقلق في الشهرين الماضيين بالذات هي عن مصدر الموارد المالية المطلوبة للتعويض عن الخسائر المادية التي لحقت بالممتلكات العامة والخاصة أثناء اندلاع أعمال العنف والشغب والخلافات العائلية.
في معظم الجهود التي تم بذلها من أجل رأب الصدع الاجتماعي لم يتم توضيح قضية المسؤولية الخاصة بالإضرار بالممتلكات ، وفي اغلب هذه الحالات تتم المطالبة من قبل عشيرة الضحية بعدم تحميل مسؤولية التعويض للعشيرة بسبب "فورة الدم" التي قد تستمر لمدة يوم كامل يتم فيها الحاق أضرار كبيرة بممتلكات وسبل معيشة مجموعة من المواطنين الأبرياء ، تحت حجة "ضرورة تحمل وتفهم" الغضب الجماعي الناجم عن الجريمة الأصلية التي أدت إلى المشكلة.
ربما يكون التغاضي عن تحديد مسؤولية التعويض وسيلة للوصول إلى الصلح وإنهاء العنف وحماية الأمن والممتلكات ولكن ذلك يترك مصدرا واحدا للتعويض وهو خزينة الدولة ، والأهم من ذلك أنه يترك تجربة وحالة تعطي رسالة لجميع من سوف يتعرض "لفورة دم" في المستقبل بأنهم يستطيعون الحرق والتكسير والاعتداء على ممتلكات الناس والتهرب من مسؤولية التعويض لأن الدولة جاهزة لتحمل الكلفة.
الحكومة أعلنت بأنها لن تقوم بدفع أية تعويضات من الموازنة حيث أن الموازنة العامة تتعرض أصلا للعجز والاستنزاف وهناك سياسة تقشف وتقليص للنفقات الجارية وشبه توقف للنفقات الرأسمالية والتي تتضمن الكثير من المشاريع الحيوية وهذا لا يترك أي مجال لتخصيص تعويضات ربما تتجاوز نصف مليون دينار من مجمل المشاجرات التي حصلت في الشهرين الماضيين.
في كل حالات العنف الاجتماعي ينبغي أن تكون السلطة للقانون المدني فقط في سياق التعامل مع تداعيات الأحداث وهذا ما يتطلب وجود القناعة والفهم المسبق بأن الغضب وفورة الدم لا يمكن أن تبرر الاعتداء على الممتلكات الخاصة أو تعفي مرتكبيها من المسؤولية وأن الخزينة ليست مصدرا مفتوحا للمال لتعويض الأضرار مهما كانت مطالب المتضررين محقة.
لن تكون مهمة التعويض سهلة فالغضب يحرق في ثوان ما بناه الناس في سنوات ولن يتنازل أحد عن حقه في استعادة ممتلكاته الخاصة وسبل معيشته وسوف تبقى النفوس والقلوب متوترة بدون أن يتم حل هذه المسائل العالقة ، وهذه مهمة صعبة أمام الحكومة والوجهاء المحليين في التوصل إلى صيغة تعيد الحقوق لأصحابها دون أن تضع ضغطا إضافيا على الخزينة التي يفترض أن تركز على دعم مشاريع التنمية وتحسين البنية التحتية والخدمات لجميع المواطنين وليس انهاكها بتعويضات ناجمة عن المشاجرات العائلية.
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة باتر محمد علي وردم جريدة الدستور