بناء على أفضل ما توصل إليه العلم من تكنولوجيا ، فإن احتمال حدوث هزة أرضية في الأردن أثناء كتابة هذا المقال هي نفس احتمالها أثناء قراءتك له -لا سمح الله - ونفس الاحتمال سيكون غدا كما كان قبل أسبوع وبعد عشرة أعوام.

باختصار.. لا أحد يمكن له أن يتوقع حدوث هزة أرضية في مكان ما قبل ساعات أو ايام أو ربما دقائق ، وكل الإدعاءات التي سمعناها ونسمعها عن "عباقرة" يتجاوزون المعروف من العلم في توقع الزلازل ليس إلا محض شعوذات واستهزاء بعقول الناس ومشاعرهم.

ولكن خبراء الجيولوجيا والزلازل يعرفون أن ثمة مواقع في العالم معرضة أكثر من غيرها للهزات الأرضية بسبب خصائصها الجيولوجية ووقوعها على فوالق زلزالية معروفة ، ويعرفون أيضا أن ثمة دورة جيولوجية لتكرار الهزات الخطيرة عبر السنوات ولهذا يمكن التركيز على فترات قليلة من السنوات التي يتوقع فيها تكرار الحدث.

في هذا السياق.. نعرف أن الأردن يقع ضمن منطقة ذات نشاط زلزالي موثق تاريخيا وهذا ما يتطلب حذرا مضاعفا من قبل الدولة والمجتمع مقارنة بمستوى الحذر في دول غير واقعة على حزام زلزالي ، وفي نفس الإطار فإن وجود دورة من الزلازل الكبيرة في الأردن كل 100 - 120 سنة تجعل من العقدين القادمين مرحلة ساخنة تتطلب الكثير من الإدراك والجاهزية.

بعيدا عن التسخين الإعلامي تقوم مديرية الأمن العام والدفاع المدني منذ سنوات بدراسة احتمالات حدوث الهزات الأرضية وكيفية التعامل معها ، وقد تم في هذا الصدد تنفيذ مشاريع لبناء القدرات المؤسسية في الاستعداد للزلازل بدعم من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وذلك في كل من عمان والعقبة ، كما يتوقع تنفيذ مشروع جديد للاستعداد في إربد ومن بعده الزرقاء وذلك لجعل المدن الأردنية ذات الكثافة السكانية أكثر جاهزية للتعامل مع الزلازل.

تعتمد الجاهزية على تعديل التشريعات التي فيها بعض الفجوات في إدارة الطوارئ وتنظيم العمل المؤسسي بين الجهات المختلفة المكلفة بالتعامل مع الطوارئ وتحديد المناطق الأكثر عرضة للتأثير من قبل الهزات الأرضية في مختلف درجاتها المتوقعة ، وكيفية التحرك المنسق لمواجهة هذه التأثيرات وتقديم الاحتياجات الطبية والإنسانية والحرص على تقوية المستشفيات والمراكز الصحية ومواقع اللجوء وتجميع المصابين.

على الورق هناك الكثير من التقدم في هذا الصدد وربما يكون من المهم أن تنظم مديرية الأمن العام والدفاع المدني وأمانة عمان عرضا للإعلاميين حول التطورات التي حدثت في سياق الجاهزية للهزة الأرضية من أجل الوصول إلى تنفيذ مبادرة رئيسية ولا غنى عنها وهي التمرين العام الوهمي على الإخلاء ومواجهة الطوارئ في حال حدوث الهزة الأرضية لا سمح الله. هذا التمرين مهم جدا لأنه يمتحن التنظيم المؤسسي والمعدات الفنية والوقت اللازم للتنقل بين المواقع الأساسية وسرعة تبادل المعلومات وتنظيم فرق المتطوعين وأداء غرف العمليات ومواقع السيطرة وتأمين الطاقة والمياه والخدمات الصحية وغيرها من المتطلبات الأساسية.

تنقل الكثير من وسائل الإعلام المحلية عن "الاستعداد الإسرائيلي" للهزة المتوقعة وتلوم عدم جاهزيتنا ولكن الحقيقة هي أن هناك جهدا كبيرا يتم بذله في التخطيط وهناك علماء وباحثون أردنيون على مستوى عال من الخبرة ولكننا بحاجة إلى التمرين الوهمي وإلى تعزيز دور الإعلام في دعم ثقافة مواجهة الهزات الأرضية لتصبح وعيا اجتماعيا وليس فقط معلومات وخطط في المؤسسات الرسمية المعنية بمواجهة الطوارئ ، ولكن الأهم من هذا التوقف عن نشر الإشاعات والخزعبلات عن توقع حدوث هزات في أيام محددة فهذا لن يؤدي إلا إلى التوتر الاجتماعي وتفوق الإشاعة على العلم الدقيق.


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة  باتر محمد علي وردم   جريدة الدستور