تراجع ترتيب الأردن مرتبة واحدة في لائحة مؤشر التنمية البشرية الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ، وهو المؤشر الذي بات مرجعا لحالة التنمية في العالم منذ بداية صدوره في العام ,1990 في هذا العام جاء الأردن في المرتبة 96 بعد أن كان في المرتبة 95 في العام الماضي هابطا بدوره من المرتبة 90 التي احتلها في ثلاث سنوات متتالية 2004 - ,2006 بالرغم من صدور التقرير قبل أسبوعين فإنه لم يحظ بالتغطية الإعلامية الكافية ، ربما لعدم قيام برنامج الأمم المتحدة الإنمائي حتى الآن بعقد المؤتمر السنوي لإطلاق التقرير في أحد الفنادق،.
هذا المركز بالطبع يعتبر متواضعا بالنسبة لحجم الدعاية الإعلامية والسياسية عن التنمية في الأردن ولكنه يعكس للأسف واقعا في تراجع مستوى التنمية البشرية المبنية على مؤشرات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي. وربما يكون السبب أيضا هو في تقدم الآخرين حيث شهدت السنوات الخمس الماضية صعود الكثير من الدول في إفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية سلم الترتيب متجاوزة الأردن.
أما بالنسبة لترتيب الأردن عربيا فإن جميع الدول النفطية صاحبة القدرة على الإنفاق التنموي تقدمت على الأردن إضافة إلى لبنان ، بينما جاء الأردن متفوقا على الدول الشبيهة نسبيا في الظروف الاقتصادية مثل سوريا وتونس والمغرب وحتى الجزائر التي احتلت مركزا متأخرا بالرغم من وجود ثروتي النفط والغاز الطبيعي.
وفي نظرة كلية للترتيب العالمي لا يبدو موقع الأردن سيئا إذا تمت المقارنة مثلا مع إيران الدولة النفطية التي تريد محاربة الشر العالمي وتصدير الثورة وهي تحتل المركز 88 في مؤشر التنمية البشرية ، كما تحتل الصين القوة الناهضة الكبرى المركز 92 والهند والباكستان القوتان النوويتان المركزين 139 و,133 وفي المقابل تحتل كوبا الدولة المحاصرة 51 والمكسيك التي تعاني من مشاكل المخدرات المركز 53 ومالطا الجزيرة الصغيرة قليلة الموارد المركز ,38
تقرير التنمية البشرية لهذا العام ركز على دور الهجرة في تحقيق التنمية ويعتبر ذلك عنصرا اساسيا مرتبطا بالتنمية في الأردن حيث يعتمد هذا البلد بشكل كبير على تصدير العمالة الماهرة إلى الخليج بالذات بينما يستقبل نسبة كبيرة من العمالة الروتينية في قطاعات الزراعة والإنشاء.
وحسب إحصائيات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي فإن مساهمة التحويلات المالية للعمالة الأردنية في الخارج مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي هي 22,3% وتعتبر من النسب العالية دوليا وتقارب لبنان %24 والهندوراس %22 بينما تعتبر النسبة الأعلى في طاجكستان وتصل إلى %45 من الناتج المحلي الإجمالي. وفي واقع الأمر فإن الأردن ولبنان هما الدولتان الوحيدتان اللتان تزيد فيهما نسبة التحويلات الخارجية عن %15 ضمن أول 100 دولة في مؤشر التنمية البشرية ، والنسبة الواضحة في المؤشر مفادها أن الدول الأكثر تقدما في التنمية هي التي تعتبر نسبة التحويلات الخارجية فيها أقل مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي وتتركز كافة نشاطاتها تقريبا في الاقتصاد الوطني. وحتى في مصر التي يبدو أنها تعتمد ظاهريا على تحويلات المصريين في الخارج فإن هذه النسبة لا تصل إلى أكثر من 6% نظرا لوجود قاعدة من الإنتاج الداخلي تساهم في الناتج المحلي المصري والرواتب القليلة للعاملين المصريين في الخارج مقارنة بالأردنيين واللبنانيين.
مثل هذا الاعتماد الكبير على التحويلات يعتبر نقطة ضعف في خاصرة الاقتصاد الوطني وهذا ما حدث اثناء أزمة الخليج 1990 وما حدث بشكل مصغر بعد الأزمة المالية في الخليج والإمارات العربية بالذات في نهاية العام الماضي ، وهذا ما يجعل المغتربين الأردنيين عنصرا أساسيا في رفد الاقتصاد الوطني ولكن هذا الاقتصاد يبقى معرضا لكافة الأزمات المالية التي تنعكس على سوق العمل في دول الخليج بالذات.
ولكنّ هنالك عنصرا مهما يميز العمالة الأردنية في الخارج عن مثيلاتها من الدول العربية وهي أن نسبة كبيرة من هذه العمالة 64( ألفا) موجودة في دول منطقة التعاون الخليجي التي تمثل الدول الصناعية الكبرى ، وتصل نسبة اصحاب الشهادات العليا (الماجستير والدكتوراة) من الأردنيين في هذه الدول إلى حوالي %52 من مجمل العمالة الأردنية وهذا يعني المؤهلات العالية وربما استقرارا وظيفيا أعلى مقارنة بدول عربية أخرى تكون فيها أغلبية العاملين في الخارج من أصحاب الشهادات الأساسية مثل الثانوية العامة في وظائف غير مستقرة.
يتضمن تقرير التنمية الكثير من التوجهات والإحصائيات الهامة التي تؤثر في صناعة القرار الاقتصادي في الأردن ومن المهم أن يحظى بالتغطية الإعلامية المطلوبة والحوارات التنموية على المستوى الوطني.
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة باتر محمد علي وردم جريدة الدستور