المتضررون من الإصلاح بدؤوا يتحولون إلى قوى ضغط ومعارضة. وهذا متوقع بطبيعة الحال، وبعض هذا الحراك يجب النظر إليه في سياق الجدل والحقوق، وبعضه الآخر في سياق الفساد والشد العكسي، وذلك أيضا أمر طبيعي، فلا يمكن لموظفين يتقاضون رواتب خيالية حتى بمعايير أبو ظبي، وتفوق بأضعاف رواتب زملائهم في الوظيفة العامة، وتفوق أيضا بأضعاف مضاعفة موظفين آخرين أمضوا عقودا طويلة في الخدمة، ومهنيين وأساتذة جامعيين بذلوا جهودا طويلة ومضنية في تأهيل أنفسهم وفي البحث والعمل، لا يمكن أن يقبلوا بإعادة الهيكلة، وأن يطبق عليهم نظام موحد للوظائف العامة. وابتداء، فإنه لو طبق عليهم النظام لربما كانت طلباتهم ما تزال تنتظر الدور للنظر فيها في ديوان الخدمة المدنية. وبالطبع فإنهم موظفون (تروى قصص خيالية أتردد في عرضها، مؤملا أن يسدل الستار عليها وننسى هذه المرحلة عن رواتب خيالية ووظائف وهمية وشهادات متدنية وخبرات معدومة أو ضحلة) لم يحصلوا على مواقعهم وفرصهم هذه بسبب كفاءتهم النادرة وخبراتهم العظيمة وتجاربهم في مؤسسات وبلاد عريقة ومهمة. ويقال إن بعضهم لم تكن له تجربة تذكر، وبعضهم كوفئوا  بهذا المنصب على تجاربهم الفاشلة في القطاع العام والقطاع الخاص. ومن المؤكد أنهم لم يشاركوا في تنافس عادل، وحتى في تنافس غير عادل. وثمة شبهة وأقوال بأن وظائف ومؤسسات اخترعت لصالح أشخاص وفئات من الناس، وأن مؤسسات ووظائف لم ولن يسمع بها أحد، ولو ألغيت تماما فلن يحدث شيء ولن تتأثر بذلك مصلحة صغيرة أو كبيرة. 
وهناك مؤسسات ووظائف لم يعد لها دور ولا حاجة. وإذا كانت ظروف وحاجات معينة سابقة أنشأت وظائف ومؤسسات، فليس من المتقبل الاستمرار بها. وبصدق ووضوح، فإنه إذا كان ثمة ضرورة لوظائف وأعمال، فإن الكثير منها مما لا يحظى بفرصة الاحترام والتقدير. لنتخيل عمان والمدن من غير عمال النظافة! لنتخيل ماذا سيحدث لو أضرب عمال النظافة، ماذا سيحدث للحياة والمصالح! ولنتخيل ماذا سيحدث عندما يضرب موظفو بنك تنمية المدن والقرى والمناطق التنموية (هل يعرف أحد ماذا تفعل أو انجزت هذه المناطق؟) أو حتى توقفت هذه المؤسسات عن العمل، بل وأغلقت نهائيا، هل يعتقد العاملون في هذه المؤسسات وغيرها أن ضررا كبيرا أو صغيرا سيحدث؟ العكس هو الصحيح، لنتخيل أن منطقة العقبة بهيلها وهيلمانها دمجت في محافظة العقبة، لن يتغير شيء سوى الوفر الهائل في الموارد العامة وتخفيض التلوث، ولنتخيل أن المناطق التنموية تحولت إلى جزء من المحافظات أو الوزارة.. لكي تكون مهما ويتضرر الناس بإضرابك يجب أن تكون عامل نظافة، وإذا لم تكن كذلك فلا تفكر بالإضراب! بل افعل العكس، حاول أن ينساك الناس ولا يتذكروك، وابتعد تماما عن وسائل الإعلام لأنك بذلك تضع نفسك تحت طائلة سؤال الجدوى!

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  ابراهيم غرايبة   جريدة الغد