بينما كنت أتابع الأخبار المحلية قبل يومين ، اكتشفت بأن أكثر كلمتين مستخدمتين في تلك الأخبار هي كلمات "ضرب" و"مشاجرة" وهما تتوزعان على كافة قطاعات الأخبار ويتم ممارستها من قبل الجميع تقريبا سواء على الصعيد الاجتماعي أو السياسي أو حتى الأسري. يمكن ببساطة وصف العام 2009 بأنه عام العنف في الأردن لأنه شهد حالات عديدة وغير مسبوقة من اللجوء الفوري إلى العنف والقوة الجسدية للتعبير عن مواقف وتصفية خلافات. ومن اللافت أن ممارسة العنف لم تعد مقتصرة على شبان في الجامعات أو اقارب مريض في مستشفى أو طلبة ضد معلميهم بل تعدي ذلك ليشمل استخدام العنف من قبل شخصيات عامة،

تذكرت فورا كيف أن حكومة سابقة قبل أربع سنوات تقريبا اقترحت إنشاء "ساحة للحرية" لكي يعبر فيها الناس عن آرائهم بديمقراطية وانفتاح كما في بريطانيا ، ولحسن الحظ أن الفكرة لم يتم تطبيقها بالرغم من حماسة وزير التنمية السياسية آنذاك لها. واقول من حسن الحظ أنه وفي غياب ثقافة احترام الرأي الآخر والتعبير السلمي فإن ساحة الحرية هذه كانت ستشكل "ساحة ملاكمة" لتصفية حاسبات واختلافات في الرؤى بين مجموعات وأفراد على قضايا سياسية وثقافية واجتماعية مختلفة.

إن معظم مثقفينا ، وسياسيينا وإعلاميينا الذين يفترض أن يكونوا في طليعة المتنورين لا يحتملون سماع الرأي الآخر فكيف يمكن ان يكونوا قدوة لبقية المجتمع؟ الأحزاب والنقابات والنواب والصحافيين والمنظمات المدنية يتبادلون تهم العمالة والخيانة والرجعية وإختراق الخصوصية الثقافية للأمة والارتهان للمشروع الصهيوني يوميا عبر الصحف والبيانات والمؤتمرات ، والحكومة تتهم المعارضة بتشويه الإنجازات الوطنية ، والحكومة والمعارضة تتهمان منظمات حقوق الإنسان الأجنبية بتنفيذ "أجندات خاصة" ، وهذا كله يحدث في منابر سياسية وإعلامية يفترض أن تكون ناضجة ، فكيف الحال لو التقوا شخصيا في ساحة الحرية هذه؟ بالتأكيد ستحل المشاكل "بالقنوات" غير الديمقراطية،

قبل أربع سنوات كنا نفكر بساحة حرية والآن تراجعت طموحاتنا وأصبحنا فقط نأمل في الحفاظ على الطابع السلمي للخلاف في الآراء. من أجل تعزيز ثقافة حوار تقبل الرأي الآخر ومناقشة قضايانا بشكل منفتح فإن هناك العديد من الإجراءات التي يمكن القيام بها لعل أهمها توسعة مجال حرية التعبير في الصحف ووسائل الإعلام المختلفة وتغيير القوانين المقيدة للحريات مثل قانون الانتخابات والمطبوعات والاجتماعات وتطوير قوانين ديمقراطية حقيقية والمضي قدما في عملية الإصلاح السياسي نحو غاياتها النهائية.

تقوية إمكانيات الحوار السلمي لا يمكن أن تنجح إلا في وجود تشريعات تعزز حرية الرأي وتحمي أصحاب الرأي المخالف من الملاحقات الأمنية والسياسية ، ولن تنجح إلا في وجود عقلية وذهنية اجتماعية منفتحة تتقبل الرأي المخالف ولا تكفره ولا تخونه ولا تعمل على إسكاته بالقوة. وإذا كانت فرص تحقيق النجاح في الشرط الأول ممكنة على المدى المنظور فإن تعزيز الثقافة الديمقراطية الاجتماعية تحد أكثر صعوبة ويحتاج إلى سنوات طويلة من البناء المتواصل للشخصية الديمقراطية في المجتمع الأردني.


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة  باتر محمد علي وردم   جريدة الدستور