بدأت أولى ملامح النقاش حول قانون الانتخابات الجديد تظهر في وسائل الإعلام المحلية ، وهي ظاهرة في منتهى الأهمية وصحية من حيث المبدأ لأن مثل هذا القانون الذي يشكل عصب الحياة السياسية في الأردن يحتاج إلى نقاش وطني واسع ومفتوح وبدون حجر على بعض الآراء. هذا النقاش يحتاج إلى أفكار مبدعة وخلاقة تتميز بالواقعية والقدرة على تحقيق النقلة النوعية المطلوبة من أجل الإصلاح السياسي.

هناك أفكار كثيرة مطروحة على الساحة ، وتنطلق من ضرورة تغيير قانون الانتخاب الحالي. بعض الطروحات تطالب بالإبقاء على الصوت الواحد ولكن مع تقسيم الدوائر الانتخابية بعدد دائرة لكل نائب ، وهذا يعني تقسيم البلد إلى "حارات انتخابية" متصارعة وتساهم في المزيد من التشتت والتوتر الاجتماعي والسياسي. بعض الطروحات تطالب بالتحول السريع نحو القائمة النسبية ولكن البعض يخشى أن يكون هذا الانتقال متسرعا والحل الأفضل هو العودة إلى الأجندة الوطنية والتي تطالب بصوت للدائرة الانتخابية وصوت للوطن يتجاوز الدائرة ويكون مخصصا لمرشح على مستوى الأردن.

أحد أهم محاور النقاش وأكثرها حساسية هو المتعلق بعدد المقاعد في كل دائرة انتخابية وبالذات في عمان والزرقاء. هناك طروحات يتفق معها كاتب هذا المقال بضرورة زيادة عدد المقاعد المخصصة للمحافظات ذات الكثافة السكانية مثل عمان والزرقاء ، وهذه الزيادة قد تتمثل في عشرة مقاعد إضافية ( 6 في عمان و4 في الزرقاء) وهذا ما يجعل عدد النواب 120 نائبا ، مع إضافة كوتا نسائية من 12 نائبا تقسم على المحافظات الإثنتي عشرة وتمثل %10 من مجمل مقاعد المجلس وهذه نسبة تتوافق مع المشاركة المهمة للمرأة الأردنية في الحياة العامة.

هذه المقاعد الإضافية تمثل تقريبا 7% إضافية على المقاعد الحالية وهي إضافة سلسة ولا تشكل خللا في "التركيبة الديمغرافية أو السياسية" لمجلس النواب ولكنها تعكس تمثيلا أفضل للكثافة السكانية.

ولكن النقاش الذي يجري حاليا يمثل بداية انزلاق في مسار خطر لأن بعض المعلقين وأصحاب الرأي السياسي يحاولون الترويج لمقولة أن مثل هذه الزيادة في المقاعد ستكون "مشاركة وتسهيلا" لمؤامرة التوطين ، والبعض الآخر يعتبر تلك المقاعد "هدية" للتيار الإسلامي الذي ينتشر بقوة في المراكز الحضرية في عمان والزرقاء.

مثل هذا الشد العكسي الذي يحاول اختطاف أية فكرة نحو الإصلاح السياسي والتمثيل المتناسب مع الكثافة السكانية يعتبر حجر عثرة أمام تطور حقيقي للحياة السياسية وفيه الكثير من المبالغة في الطرح. لا يمكن القبول بتجميد الأفكار الإصلاحية في قانون الانتخاب بحجة الوضع في فلسطين والسياسات الإسرائيلية ولا يمكن القبول بأن تبقى توجهاتنا السياسية في الأردن أسيرة للوضع الفلسطيني. أن تحديد عشرة مقاعد إضافية في عمان والزرقاء لا يشكل اية خطورة على استقرار الدولة الأردنية ولا على التركيبة الديمغرافية لمجلس النواب ولا يشكل مساهمة في مؤامرة التوطين ولا يشكل خطرا أمنيا حتى لو فاز بكل هذه المقاعد التيار الإسلامي الذي هو جزء لا يتجزأ من السياق السياسي الأردني.

من يشعر بالقلق من التيار الإسلامي عليه أن يساهم في تطوير حياة حزبية تشكل منافسة وتوازنا مع الإسلاميين بدلا من التضييق عليهم ، ومن يخشى من التوطين عليه المطالبة بالمزيد من النشاط السياسي الحزبي المنهجي الذي يمثل موقف الرأي العام الأردني الرافض بمجمله لمؤامرات التوطين ، ولكن أن يقع قانون الانتخاب ضحية جديدة لهذه الهواجس فهذا أمر مرفوض ويجب مقاومته من قبل المؤمنين بالتحديث السياسي والإصلاح الانتخابي.


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة  باتر محمد علي وردم   جريدة الدستور