من ناحية واقعية لا يمكن لأحد أن يحسد رئيس وزراء الأردن على منصبه في الوقت الراهن. صحيح أن هناك المكانة الاجتماعية والسياسية العالية التي يحصل عليها دولة رئيس الوزراء ، ولكن في نهاية الأمر فإن إدارة حكومة دولة مثل الأردن في ظل الظروف السياسية والاقتصادية الحالية ، وكذلك الظروف الاجتماعية الناشئة ليست أمرا يدعو إلى الارتياح وهي مهمة يجب أن يتصدى لها أشخاص يحملون رصيدا لا ينضب من الإصرار والعزيمة والإبداع.
الحكومة الجديدة برئاسة السيد سمير الرفاعي ربما تكون ذات المهمة الأصعب والأثقل من بين كافة الحكومات الأردنية ، على الأقل خلال السنوات الثلاثين الماضية. سوف تبدأ الحكومة عملها بموازنة ذات عجز كبير ، وبدون وجود آفاق لمنح خارجية كبيرة واضطرار لتجميد العمل بالمشاريع الرأسمالية حتى تلك ذات التوجه التنموي وهذا ما يعني الحاجة إلى سياسات مالية حكيمة ورصينة خاصة ما بين وزارتي المالية والتخطيط. تجد الحكومة أيضا نفسها في مواجهة مخاطر سياسية اقليمية أهمها انتشار اليمين المتطرف في إسرائيل وعدم وجود آفاق لحل سلمي في المستقبل القريب ، مضافا إليه أسوأ حالة انقسام في تاريخ العمل السياسي الفلسطيني تضيف أعباء جديدة على الأردن ليكون في مقدمة الدول التي تسعى لكسر الجمود السياسي وهذا ما يتطلب خبرة سياسية معتبرة لدى الطاقم الوزاري المعني بالدبلوماسية أو على الأقل إنشاء "مطبخ تفكير استراتيجي" في رئاسة الوزراء يعين الحكومة على اتخاذ التوجهات الصحيحة واستقراء ظروف المرحلة المعقدة.
تجد الحكومة نفسها في مواجهة استحقاقات داخلية استثنائية ومنها اللامركزية وانتخاب المجالس المحلية ومن ثم الانتخابات النيابية وهذا ما يتطلب دورا مرنا ومنفتحا من وزارة الداخلية يؤمن بشكل حقيقي بقيم الشفافية والمشاركة الشعبية التي أصر عليها جلالة الملك في كتاب التكليف السامي وجعل الانتخابات بشقيها المحلي والنيابي نموذجا حقيقيا في النزاهة والشفافية. لا تتوقف التحديات عند هذا الحد لأن من المطلوب سياسات وبرامج تنفيذية كفؤة وفعالة في قطاعات الطاقة والصحة والمياه والزراعة والتعليم ومكافحة الفقر والبطالة وحماية الإنجازات في مجالات السياحة والبيئة والصناعة والتجارة وتعزيزها في المستقبل وهي التي تشكل أسس التنمية وتعتمد جميعا على الإدارة الكفؤة للموارد التي يعاني معظمها من الندرة. ولا ينتهي الأمر عند زيادة نسبة التوتر الاجتماعي ما بين المواطنين أنفسهم أو المواطنين والدولة والتي قد تعكس وجود حالة من تراجع الثقة بين الطرفين وهي تحتاج إلى ترميم وتصليح سريع يعتمد على التواصل الاجتماعي بين الدولة والمواطن.
لقد علمتنا التجربة أنه ليس من الحكمة تحديد المواقف المسبقة سواء الإيجابية أو السلبية ، ولكن مقومات نجاح الحكومة الجديدة سوف تعتمد على ثنائية النزاهة والكفاءة. لقد طالب جلالة الملك في كتاب التكليف بتطوير أربعة مواثيق شرف تعتبر في حقيقة الأمر منظومة متكاملة من قيم النزاهة في حال تم تطبيقها بوضوح وحزم وبدون مجاملة لأنها تحاول معالجة الخلل في علاقة النواب بالحكومة والتي تركز على ثنائية الابتزاز والاسترضاء كما تحدد مبادئ تقييم أداء الفريق الوزاري. بالإضافة إلى ذلك فان كفاءة الإنجاز تعتمد على انسجام الفريق الوزاري ووجود مبدأ المساءلة والمحاسبة والتقييم المستمر وفتح كافة قنوات التواصل مع المجتمع للاستماع الجاد إلى الرأي الآخر وخوض غمار المكاشفة والنقاش والشفافية والتي سوف تحمي الحكومة كثيرا لدى الحاجة الى دراسة اتخاذ قرارات صعبة.
العبء كبير على الحكومة ولكن دائما ننظر بتفاؤل ، ونعتبر بأن هناك بداية جديدة تحمل معاني التغيير وطموحاته ، ونتمنى أن يدرك كل عضو من الفريق الوزاري الجديد أن المهمة صعبة وتحتاج إلى نسبة من التضحيات أكثر من المزايا وتحتاج إلى إرادة وعزيمة وعمل ضمن الفريق الواحد لأن خيارات التردد لم تعد متاحة أبدا.
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة باتر محمد علي وردم جريدة الدستور