لا جدال على أن حاضر ومستقبل الاعلام ينحاز تماما نحو وسائل الاعلام الالكترونية بكافة أنواعها ، ولا جدال أيضا على أن عملية "تقييد" هذه الأدوات لن تكون ناجحة سواء في حال تمت محاصرتها بالتشريعات أو بالوسائل التكنولوجية. ولكن من المهم أن يكون هناك اجماع ايضا على حقيقة لا يمكن تجاهلها وهي ضرورة "تنظيم" هذه الأدوات الاعلامية بما يكفل تحقيق غايتها المهنية في تقديم الخبر والمعلومة والحقيقة للقارئ ، أو المتصفح في هذه الحالة.

التنظيم يتضمن عنصرا اساسيا هو تنظيم العمل التجاري لهذه الوسائل الاعلامية. ان معظم المواقع الالكترونية الاخبارية تعمل على اساس تجاري فهي تستقبل وتنشر الاعلانات وهذا يعني ضرورة الخضوع لشروط العمل التجاري ومنها وجود الرقم الضريبي وتحديد هوية أصحاب العمل التجاري ومواقع تواجدهم وكافة المعلومات المطلوبة للتصريح بممارسة المهنة التجارية ولا يجوز أن تكون هذه المواقع منتجا لأشخاص يتاجرون ويحصلون على الشيكات بأسمائهم الشخصية ودون متابعة ضريبية.

هذا التنظيم التجاري والضريبي لا ينطبق على المدونات الشخصية والتي لا تمارس عملا تجاريا فالمدون يقوم بالكتابة بشكل طوعي وبسبب رغبة في التعبير وطرح الآراء ولا يسعى الى مكسب مادي ، ولذلك من المهم التفريق ما بين ممارسة العمل الاعلامي التجاري الكترونيا وما بين العمل الطوعي.

في المضمون هنالك حاجة الى التنظيم ولكن بشكل اساسي من قبل أصحاب هذه المواقع أنفسهم. كما حدث في فترة انتشار الصحف الأسبوعية في التسعينات من القرن الماضي ، حققت هذه الطفرة الاعلامية نجاحا كبيرا في تقديم مضمون اعلامي بديل تجاوز القيود التشريعية ورفع من سقف الحريات في الأردن ، ولكن الممارسات غير المسؤولة من قبل بعض هذه الصحف أودت بهذه الحريات وساهمت في اصدار قوانين مطبوعات غاية في التضييق. الآن نواجه حالة مشابهة حيث أدت بعض الممارسات غير المقبولة من قبل نسبة من المواقع الالكترونية وتجاوز الحد الفاصل ما بين حرية التعبير واستباحة خصوصيات الناس وسمعتهم وحتى أعراضهم الى الانحدار بنوعية الأداء الاعلامي في هذه المواقع وبالتالي وجود سبب يدعو الى اخضاع للمواقع للتشريع القائم وهو قانون المطبوعات والنشر.

ولكن قانون المطبوعات الحالي غير مهيأ أبدا للتعامل مع الاعلام الالكتروني وفي حال كانت هناك قناعة من قبل الحكومة بتنظيم الاعلام الالكتروني فان دراسة منصفة وشاملة يجب أن يتم اجراؤها حول واقع الاعلام الالكتروني تخدم هدفا رئيسيا هو تعديل قانون المطبوعات لكي يتفاعل مع المرونة والآفاق الواسعة التي تميز أداء هذا الاعلام وصعوبة تقييده ضمن الاجراءات المحددة حاليا في القانون. المسألة الرئيسية هنا هي التمييز ما بين ممارسة العمل الاعلامي التجاري الذي قد يكون بحاجة للتنظيم وما بين التبادل الحر والشخصي للآراء والمعلومات سواء على الهواتف النقالة أو مواقع التواصل الالكتروني (فيسبوك ، تويتر ، وغيرهما).

القضية الصعبة الأخرى هي اخضاع المدونات لقانون المطبوعات. لقد تابعت المدونات الأردنية منذ خمس سنوات بشكل دقيق واستطيع أن أؤكد بأن مستوى المهنية والابداع والمسؤولية يتفوق لدى المدونين على كثير من المواقع الاخبارية والسبب بسيط لأن المدون شخص يريد التعبير عن رأيه ويحترم تعدد الآراء ولا ينساق نحو الاتهامية وتصفية الحسابات ، واخضاع المدونات لقانون المطبوعات سوف يحرم الأردن من نافذة مهمة جدا لمعرفة الرأي البديل والشعبي في كثير من القضايا الأساسية.

من حق كل شخص يتعرض للتشهير والقدح في وسائل الاعلام كافة أن يلجأ الى القضاء فهذه المواقع والأدوات هي لخدمة المهنية الاعلامية وليس للسقوط نحو مستويات غير مسبوقة من النصوص الرديئة والمسيئة للاعلام الأردني. ان الخطوة الأولى تتمثل في ميثاق شرف يرفض هذه الممارسات من قبل الاعلاميين أنفسهم ومن ثم يتم التفكير بالوسائل القانونية لتحقيق معادلة دعم الحرية ومنع الاستباحة.


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة  باتر محمد علي وردم   جريدة الدستور