يتساءل ابني الصغير بدهشة وغضب: كيف تقول ليس معك نقود وانت تعمل؟ هو الشغل ما بجيب فلوس؟ نعم إنه سؤال حقيقي وموجع، لماذا لا يخلصنا العمل من الفقر؟ فمعظم الفقراء في الأردن يعملون، لم يعد العمل حلا لمشكلة الفقر، والمشكلة ليست فقط في الفقر مع العمل، ولكن في فقدان ثقة ابنك، شعوره بأنك فاشل وعاجز. وإذا أضيف هذا الفشل إلى الفشل المتكرر في الإجابة عن أسئلته التي لا تنفد، مثل ماذا سيعمل زين العابدين بن علي بعدما بطّل رئيس؟ ولماذا تتحدث المذيعة بهبل شديد؟ وماذا كان قبل اليوم الأول؟ نحن فقراء أم أغنياء؟ لماذا نذهب إلى المدرسة؟ وقبل ذلك الفشل في مشاركته في ألعاب الـ"بلاي ستيشن"، ومجاراته في ألعاب الكرة والمكاسرة والمصارعة، واستغناؤه عني بـ"غوغل".. تصبح باعتبارك أبا أو رب أسرة موضع مراجعة استراتيجية، وربما تبدو كائنا غير مفهوم أو غريب الأطوار! وربما تثير حزنه وشفقته، فيحاول أن يسليك ببعض الألعاب والألغاز.
يوم أمس كان محزنا ومليئا بالانقباض بعدما استيقظت من النوم بدون أن أحسم الخلاف مع صاحب سيارة "فوكس فاغن" قديمة ضربتها سيارتي ضربة خفيفة. وبرغم أن الضربة الجديدة لم تضف شيئا إلى سيارة الفوكس المليئة بالرضوض والكدمات من قبل، فقد أصر صاحبها على أن سيارتي مسؤولة عن كل ما أصاب سيارته.. ولكن الانقباض مصدره أن السيارة كانت تسير وحدها، تحركت وحدها وطافت الضاحية وتجولت في أنحاء المدينة وعادت بدوني. يعني أن الوظيفة التي كنت أتميز بها "قيادة السيارات" وتوصيل الزوجة والأولاد وإعادتهم إلى البيت أصبح ممكنا أداؤها بدوني، ولم يعد لي لازمة؛ يصبح دوري فقط دفع أخطاء السيارة المتمردة الذكية، مثل بقرتنا التي كانت تتسلل في الليل خلسة إلى الحقول وتوقعنا في مشاكل قضائية وعشائرية!
لم تنقذني اليقظة من النوم واكتشاف أن ما حدث كان في عالم الحلم والماورائيات، فقد أصر العقل الباطن "والأشياء كما يقول أينشتاين تفهم كما تدركها الحواس"، على أننا باعتبارنا كائنات نحسب أنفسنا أذكياء نتعرض لتحديات قد تحل مكاننا غيرنا. والمشكلة الأخرى التي زادتني انقباضا اكتشاف وهم السعادة التي غمرتني في الحلم عندما اكتشفت أنني بعدما سُرقت حقيبتي في أثناء السفر في مدينة أوروبية، وحذائي سُرق أيضا، اكتشفت وأنا أسير حافيا وتائها أنني لا أزال احتفظ ببطاقة "الكريدت" وشعرت بأنها (وهذا كائن جديد يتحدانا ويتحكم بنا ويضللنا) ستنقذني. ولكن عندما استيقظت داهمني انقباض مديد وقاتم لأن رصيد البطاقة صفر، وما ظننته فرجا في أثناء الحلم لم يكن كذلك، وأنني (يفترض) أن أبقى في ورطة في بلاد الفرنجة.
صحيح أنني تناولت في السحور وجبة دسمة ونمت، وربما تكون المسألة كلها عسر هضم، ولكني أيضا كنت أقرأ في سفر الجامعة في التوراة، ما جعلني لا أركن إلى أن "السالفة" مجرد حلم.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة ابراهيم غرايبة جريدة الغد