لم يحتل الخبر أكثر من مساحة صغيرة في كافة الصحف اليومية قبل أسبوع. طفل في الثانية عشرة من عمره يتعرض للموت احتراقا في حفرة ملوثة بالبنزين في أحد كراجات تصليح السيارات في منطقة بيادر وادي السير. ماذا كان يفعل الطفل في ذلك المكان؟ كان يساعد صاحب الكراج في تصليح السيارات ، وهو لا يزال طفلا لا يمتلك من الحرص ولا التدريب ولا الوعي ما يلزم لتفادي الخطورة في هذا العمل ، ولكن الأهم من ذلك أنه يفترض أن يكون في مدرسته أو في منزله ، أو يلعب مع اقرانه في ذلك الوقت.
لا أملك المعلومات التفصيلية الخاصة بالحادث ومن الذي أجبر الطفل على العمل في الكراج ولهذا فإن كافة الفقرات التالية في المقال تأتي ضمن السياق العام وليس السياق الخاص بهذه الحادثة. في البداية نعرف تماما الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها نسبة كبيرة من المواطنين الأردنيين ولكننا نعرف أيضا أن الأطفال ليسوا ايدي عاملة ولا يجوز أن يتحولوا إلى مصدر إنتاج للدخل وخاصة ضمن هذه الظروف السيئة من العمل.
في مجتمع شرقي محافظ مثل الأردن تعتبر العائلة هي النواة الأساسية في المجتمع وهي محمية من خلال العادات والتقاليد الاجتماعية من التدخلات حتى تلك التي تهدف إلى مصلحة أفراد الأسرة. في العائلة الشرقية يتحكم الأب ، وبقدر اقل الأم في مصائر الأولاد لسنوات طويلة ، وهذا نتاج لإرث ثقافي طويل يعتبر الأولاد "عزوة" وسندا للعائلة منذ أن كانوا يخرجون للعمل في المزارع والبساتين أو في كراجات تصليح السيارات أو يتم إرسالهم متجولين لبيع المواد الغذائية البسيطة وحتى التسول في الشوارع. في هذه الحالات تقرر العائلة ، ضمن مراكز القوة الموجودة فيها مصائر الأطفال.
لا تستطيع الدولة أن تحقق الكثير. حتى لو لاحقت الأطفال ومنعتهم من العمل وعاقبت اصحاب العمل وحاولت إعادة تأهيل الأطفال في برامج تدريبية فإنهم في النهائية سوف يعودون إلى العائلة حيث قد تستمر ممارسة "الاستغلال" بمبرر الحاجة المادية من قبل اصحاب القرار في العائلات. ولكن الدولة تستطيع أن تتدخل في حالات كثيرة منها الحرص على تسهيل حصول العائلات التي يتعرض الأب أو المعيل فيها إلى حادث يمنعه من العمل أو تحدث حالات طلاق وانفصال أو حتى يتم الحكم على الأب بالسجن حيث يصبح الأطفال فورا في موقع المسؤولية ويكونون مطالبين من المجتمع بتأمين دخل لأسرهم المنكوبة. يمكن أن تتدخل الدولة من خلال برامج تدريب وتأهيل تتزامن مع الحفاظ على حق الأطفال في التعليم حتى يتمكنوا من اكتساب مهارات كافية لدخول سوق العمل ، حتى لو مبكرا ولكن بخبرة ومعرفة تعينهم على الحصول على شروط عمل أفضل لا أن يكونوا تحت رحمة خيارات العائلة أو شروط صاحب العمل المجحفة.
لا يزال الأردن يفتقر إلى قانون لحماية الطفل بالرغم من أن هناك مسودة جاهزة لم يتعامل معها مجلس النواب المنحل بالجدية المطلوبة. ولكن المركز الوطني لحقوق الإنسان يورد بعض التحفظات على مشروع القانون مطالبا بتوسيع مظلة الحماية القانونية للأطفال تحت وطأة الاستغلال بجميع أشكاله ، وخاصة الاستغلال الاقتصادي الذي من مظاهره التسول وعمالة الأطفال.
تبذل مؤسسات الدفاع الاجتماعي المعنية بحقوق الطفل وقضايا الأسرة جهدا كبيرا لتحسين ظروف معيشة الأطفال المعرضين لشتى أنواع الإساءات ضمن الظروف الصعبة التي تعمل من خلالها سواء في عدم كفاية التمويل والبنية التحتية لدور الرعاية والإحتضان أو الحدود التي يمكن التدخل بها في خصوصيات الأسر ، ولكن من الضروري التوصل إلى قناعة عامة بأن الأطفال ليسوا ملكا لآبائهم والأفراد الأكبر من عائلاتهم بل هم مواطنون وبشر لهم كافة الحقوق القانونية والتشريعية والأخلاقية ولا يجوز أبدا السماح أو التساهل مع ممارسات الاستغلال والإساءة لهذه الفئة المستضعفة وذات التعرض العالي للآثار السلبية لأزمات التفكك الاجتماعي والضغوطات الاقتصادية.
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة باتر محمد علي وردم جريدة الدستور