اللهم إني صائم 
تتسابق/ تتصارع السيارات وقت الغروب. يحسب كل سائق أنه الصائم الوحيد، وأن الصيام يسمح له أن يعتدي على الناس ويتصرف كما لو أنهم غير موجودين، أو كأنه سيارة الدفاع المدني تمضي لإنقاذ أرواح الناس ومساعدتهم. لماذا يرى الناس أنفسهم أصحاب أولوية في الطريق؛ يحجزون المسارب كلها في وقت واحد، يسرعون يبطئون، يقفون في منتصف الشارع، يصرخون، يشتمون.
.. ويقف على الإشارات الضوئية والميادين شباب يوزعون على السيارات المارة وقت الإفطار قوارير الماء وحبات من التمر، يسابقون اللحظات ليوزعوا الماء والتمر على أكبر عدد ممكن من الناس بدون أن يعيقوا المرور، ويخافون أن يفوتهم أحد.
داحس والغبراء
يقاتل غيورون على الهوية الوطنية كل مبادرة للإصلاح والحريات مخافة أن تكون العدالة هي الوطن البديل. ويدافع آخرون عن أفكار وجماعات وأشخاص معتقدين أنهم يدافعون عن حقوق المواطنة، وفي الحالتين تكون الضحية هي العدالة والمواطنة، والكاسب نخب لا تؤمن بالعدالة والمواطنة. هل يعجز المواطنون أن يتجمعوا حول أفكارهم ومصالحهم ويبحثوا عن العدالة وتحسين حياتهم بدون اعتبار للقرى والبلدات التي ولد فيها آباؤهم؟ هل يرتبط تحسين حياة الناس ومستوى الخدمات في المدن والمخيمات بمسقط رأس والد (وربما جدّ، فلدينا أجيال واسعة ولدت وولد أبناؤها في عمان والمدن بعيدا عن قراها وبلداتها الأصلية في ضفتي النهر) وزير أو مدير المواصفات والمقاييس؟ إذا كانت الإجابة "نعم" فنحن في كارثة عظمى، تؤشر على أن الجامعات والمدارس والمختبرات والمفاعلات النووية تستوي في أهميتها ودورها مع الحارات والمضافات؛ وإن كانت الإجابة "لا" فما المشكلة وما الحل؟ هل نحتاج لرفع مستوى معيشة الناس والارتقاء بالتعليم والصحة والرعاية في محافظة أو مدينة أو مخيم أن يكون المسؤولون والوزراء من أبنائها؟ سنحتاج لأجل الإصلاح إلى ألف وزير للتربية والتعليم، ومثلهم للصحة والتنمية الاجتماعية والأشغال والبلديات، إنها فكرة جميلة ومعقولة، لماذا لا تنشئ كل مدينة/ محافظة/ حي، مجلسا لإدارة وتنظيم الأعمال والخدمات الأساسية؟ لماذا لا يكون لدينا مائة مجلس وزراء؟
عداء علماني للعلمانية والتنوير
مدارسنا بلا موسيقى ولا فنون ولا إبداع، ونسبة النساء في الشركات 12%، ويتقاضين أجورا أقل من نصف الرجال (للذكر مثل حظ الأنثيين)، والمؤسسات التعليمية تدار في نظام عزلة قاسية بين الذكور والإناث، ويغيب القانون في مؤسسات اقتصادية وشركات وتنتهك فيها حقوق الإنسان. ما علاقة ذلك بالعشائر والمتدينين؟ هل هم الذين يديرون التعليم والشركات؟ الواقع أننا نتميز في الأردن بوجود نخب علمانية وليبرالية تهيمن على القطاعين العام والخاص والفرص والإعلام، ولكن علاقتها بالعلمانية والليبرالية والتنوير والموسيقى والثقافة أقل بكثير من الملا محمد عمر.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  ابراهيم غرايبة   جريدة الغد