لا تثير العملية السياسية في العراق الكثير من الاعجاب سواء لدى الرأي العام العربي أو السلطات الرسمية. الرأي العام العربي لا يزال في مجمله يملك حنينا لحكم الرئيس السابق صدام حسين لأسباب عاطفية تتعلق بالخطاب السياسي للدولة العراقية آنذاك والذي كان قوميا ، بينما تخشى الكثير من الحكومات العربية أن تتمكن العملية السياسية العراقية من تحقيق نجاح يصبح بمثابة "تجربة ديمقراطية" قد تنتقل عدواها الى دول عربية أخرى.
ولكن الانصاف يقتضي الاشارة الى أن الانتخابات العراقية الأخيرة هي اختراق حقيقي ليس فقط في الممارسة الديمقراطية بل أيضا في العقلية والنتائج. سواء كانت هذه الانتخابات متأثرة بالنفوذ الأميركي والدولي أم لا فان النتيجة كانت مثيرة حيث حدث ثاني انتقال سلمي للسلطة في تاريخ المجتمعات العربية الحديثة عبر صناديق الاقتراع ، بعد أن كان المثال الأول في فلسطين.
نتيجة الانتخابات ليست حاسمة بالطبع ، والعقلية العربية في التمسك بالسلطة لا تتقبل التغيير وهذا ما أظهره رئيس الوزراء العراقي الحالي نوري المالكي والذي شكك بالنتائج بالرغم من أنه وحزبه يملكان تقريبا كل مفاصل وأدوات السلطة حاليا ولو كان هناك دور للتهديد والتزوير فمن المنطقي أن يصب في مصلحة المالكي نفسه. ولكن الاسباب الحقيقية للتغيير هي فشل حكومة المالكي في نقل العراق الى مستوى الدولة المستقلة من جديد وعدم القدرة على السيطرة على العنف السياسي والطائفي في المجتمع العراقي بالاضافة الى التساهل الشديد في السماح بتزايد النفوذ الايراني.
ما قدمته قائمة اياد علاوي شكل عامل جذب للعديد من الفئات الاجتماعية التي تضررت من سياسات المالكي والأحزاب ذات التوجه الديني التي حاولت فرض نمط حياة متشدد على العراقيين. تمكنت قائمة علاوي من استقطاب السنة للتصويت والمشاركة المكثفة وابعادهم عن خيارات تنظيم القاعدة التي لم تترك خلفها الا حطاما للمجتمع السني ، كما استقطبت قائمة علاوي المثقفين والطبقة الوسطى الذين يفضلون الانتماءات الوطنية على تلك الطائفية وكذلك نسبة كبيرة من النساء اللواتي تعرضن للمزيد من التهميش في حكومة المالكي المسنودة بالقوى الدينية المتشددة. وفي واقع الأمر ربما كانت قائمة علاوي ستحصد المزيد من الأصوات في حال أجريت الانتخابات بدون تأثير المؤسسات والقوى الواقعة تحت تأثير حكومة المالكي وحلفائها والتي تملك السلطة.
ولكن علاوي سيجد صعوبة في تشكيل قائمة تتجاوز حاجز النصف في البرلمان وربما لن يجد شريكا له الا الأحزاب الكردية وضمن شروط قاسية ، وهذا ما يعني أن المالكي وحلفاءه في الأحزاب الشيعية الدينية قد يتمكنون في نهاية الأمر من العودة الى السلطة والاستمرار في سياسة غير مجدية تساهم في المزيد من التفكك الطائفي والارتهان الى المشروع الايراني والابتعاد عن العمق العربي.
بالنسبة للأردن فان مصلحتنا الأساسية هي في دولة عراقية مستقرة ومستقلة وقادرة على الدفاع عن مصالحها ومواردها من التدخل الخارجي وتحديد سياساتها بطريقة مبنية على العلاقات الاستراتيجية ولذلك يبقى الأردن محايدا في تعامله مع خيارات الشعب العراقي ، ولكن ليس من المبالغة القول بأن حكومة برئاسة اياد علاوي وشراكة مع الأحزاب الكردية قد تتمكن من تطوير علاقة أكثر متانة واستدامة مع جيرانها العرب تعتمد على احترام الشؤون الداخلية والتركيز على تطوير العلاقات السياسية والاقتصادية والتنموية.
سيمر العراق في مرحلة حساسة من المفاوضات السياسية الطويلة ، ويحتاج الى دعم عربي منصف وصادق والى مساعدة الشعب العراقي في الوقوف ضد التدخل الأجنبي وضد استباحة الأراضي والموارد العراقية وضد التيار الطائفي وضد الارهاب وليس من المنطقي بقاء الدول والمجتمعات العربية بعيدة عن التطورات في العراق.
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة باتر محمد علي وردم جريدة الدستور