لا جدال على أن الاردن يواجه تحديا لا يستهان به ناجما عن السياسات الإسرائيلية الرامية إلى تصفية القضية الفلسطينية عن طريق محاولة إلقاء عبء الحل النهائي على الأردن سواء عن الطريق الضغط لإجبار الأردن على لعب دور أمني في الضفة الغربية ، أو من خلال سياسة منهجية لترحيل السكان الفلسطينيين والعمل على تهيئة الظروف الاساسية لتنفيذ ما يسمى "مؤامرة الوطن البديل".

الخلاف هو على الطريقة التي يمكن لنا فيها أن نواجه هذا التحدي داخليا. على الصعيد السياسي الإستراتيجي يقوم الملك عبدالله الثاني بجهد دبلوماسي وسياسي منظم على المستوى الدولي لإيقاف هذا المخطط الإسرائيلي وهو جهد بحاجة إلى إسناد شعبي وسياسي محلي ، ولكنْ ، هناك نوع من عدم الوضوح في المواقف السياسية الداخلية وهناك نزوع نحو أنماط من التشخيص والجدل لا تخدم غرض حماية الدولة الأردنية واستقرارها.

تحدثنا كثيرا وانتقدنا التيار الذي يستخدم مصطلحات مثل "الحقوق المنقوصة" والمحاصصة السياسية والديمغرافية ويستقوي أحيانا على الدولة بمؤثرات خارجية وخاصة الدول الغربية الكبرى والإعلام الدولي ، وقلنا أن هذا التيار يخلق توترا داخليا نحن في غنى عنه لأن الحقوق الأساسية في المواطنة مكفولة حاليا لجميع المواطنين الأردنيين ومحاولة الإساءة إلى هذا النموذج من الوحدة الوطنية سوف تكون له نتائجة العكسية الوخيمة.

وفي المقابل ينبغي ايضا القول بوضوح أن التيار الذي يحاول تحميل مسؤولية التحديات الجديدة إلى فئة محددة من المواطنين أو يستهدف حقوق المواطنة لن يساهم أبدا في استقرار الأردن بل في خلق جو مستمر من التشكيك والتمييز الذي سيؤدي في النهاية إلى حالة من غياب الاطمئنان الاجتماعي والسياسي وهذا ما يشكل أفضل مدخل للمخطط الإسرائيلي لتفتيت الوحدة الوطنية.

بنيت الدولة الأردنية على التعددية الثقافية والاجتماعية ، ومحاولة الإدعاء بأن هناك هوية ثقافية واحدة وثابتة هو محض يوتوبيا خارجة عن الواقع. لا ضير في وجود هوية ثقافية متنوعة في حال كانت منظمة ضمن انتماء سياسي واحد ومعظم البلدان الناجحة في العالم ترفض أية سياسات تمييزية في الحقوق في حال كان عنصر المواطنة منظما بإحكام. الدولة الاردنية لا تمارس اية سياسية تمييزية تجاه المواطنين وهذا هو التوجه الصحيح الذي يجب تقديره والحفاظ عليه.

العداء لإسرائيل يجب أن يكون عداء منهجيا وثابتا. نعادي ونرفض إسرائيل عندما تقصف غزة وتقتل الفلسطينيين وتعتدي على المقدسات وتجتاح الضفة الغربية وتسرق الموارد الطبيعية وكذلك عندما تقوم بتهديد الأردن وليس من المنطقي أن تكون هناك عداوات مرحلية أو انتقائية تركز على عنصر واحد فقط من السياسة الإسرائيلية.

دعونا نواجه إسرائيل صفا واحدا برفض رسمي وشعبي متكامل للسياسة الإسرائيلية مسنودا بحائط قوي من الوحدة الوطنية لا يقبل الشرخ. باستثناء مجموعة محدودة مكشوفة ومحروقة سياسيا ، لا توجد في الأردن اية قوى فلسطينية تطالب بالوطن البديل أو الترانسفير ، والمواطنون الأردنيون من أصول فلسطينية يمتلكون انتماء واضحا ومثبتا لهذا البلد يجب تقديره وعدم السماح بأن يتم تعميم سلوكيات ونشاطات جهات محدودة على ملايين الأشخاص. وبنفس الوقت ليس من المقبول أن يتم السماح لمجموعات من أصحاب الصوت العالي أن تدعي التعبير عن كافة مواقف المواطنين الأردنيين ومن واجب كافة الأردنيين المؤمنين بقدسية الوحدة الوطنية وحماية النسيج الداخلي للبلاد أن لا يستمروا بالصمت لأن هذه مرحلة حاسمة وتتطلب الإعلان الواضح للمواقف حتى لا تبقى الساحة متاحة لأصحاب الصوت العالي ونحن نقترب من موسم انتخابي نخشى أن يتم إساءة توظيفه لحشد الشعبية من خلال التخويف والإساءة إلى أسس الوحدة الوطنية من عدة أطراف تحاول استغلال هذا الموقف.


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة  باتر محمد علي وردم   جريدة الدستور