"كل الطرق متاهات ولكن واحدة منها توصل إلى الحقيقة". يثقل علي شعور دائم وثقيل أننا ونهر الأردن فقدنا مسارنا، نسير فقط لأجل المسير... فأجد الفكرة في الأحلام! 
1
ذهبت لأصلي الجمعة في مسجد في مدينة أعرفها وأتذكرها. كان المسجد يتكون من طوابق، وهذا غير مألوف في تلك المدينة، ولا أتذكره. صعدت الدرج لأصلي إلى الطابق العلوي، ولكني فقدت القدرة على المسير، شعرت بعجز تام. مر شاب فساعدني في الوصول إلى مكان الصلاة، شكرته ورد بلطف عظيم، وفي الصلاة رأيت صديقا قديما عزيزا، كنا صديقين قريبين من بعضنا، ثم باعدت بيننا الأيام.
كان الشيخ في المسجد يعطي درسا أو يخطب الجمعة، وقال قصة جعلت الناس يضحكون. أتذكر من القصة أنه حجز كتابا في مكتبة المسجد، وكان يريد أن يستعين به في بحث، ولكنه فقده، فسأل عن الكتاب، قال له أحد المصلين إنه أخذه. فقال له لماذا أخذته؟ فقال: إنه من وقف الشيخ أبو غلوم. وضحك المصلون، وأقيمت الصلاة. لم يجهر الأمام بالقراءة، ثم سجد سجود التلاوة، رغم أنه كان يقرأ في السر، وسجدنا وراءه، ولكن بعض الناس لم يسجدوا. وظلت صلاة الناس مختلفة عن بعضها حتى انتهت، بعضهم يركع وبعضهم يسجد. وانتهت الصلاة، ولم أجد الصديق العزيز، لقد اختفى برغم أنه رآني كما رأيته. وخرجت أبحث عن حذائي، ولم أتذكر أين وضعته. في الحي جاءت سيدة جميلة تنبعث منها رائحة ليس أجمل منها، وحاولت أن تساعدني في البحث عن الحذاء.. قلت لنفسي: إنك تسير بلا حذاء ولا وجهة ولا رفيق سوى ذكرى تلك السيدة العابرة، ولكنك شغلت عن الجمال باختلاف المصلين، وانتظار الصديق.. وضياع الحذاء.
2
في مدينة أخرى.. لابد أنها هي المدينة التي أعرفها وأتذكرها، بمتاهاتها وكآبتها، وشعور قاطنها بالضياع والضآلة، اركض متجها إلى مكان، أحاول أن أعرف وجهتي، أبحث عن البحر ليساعدني بمعرفة أين أنا، أتبين أنني صليت نحو الاتجاه المعاكس تماما للقبلة. حاولت أن أحدد الاتجاه عن طريق الشمس، ولكن يبدو أني لم اكن أعلم هل هي شمس الصباح أم المساء؟
ثمة بيت مليء بالغرباء بعضهم هنود، أحدهم يقرأ في القرآن، ثم ينام وهو ليس نائما، يعتقد أني نائم.. أحاول ألا يعرف أني مستيقظ. حلمت أني حلمت، ثم استيقظت وتبين أني كنت أحلم.. ما زلت أحلم، كل ذلك جرى في الحلم.
في البيت إياه، والذي يشبه المتاهة، كان شخص معي يتحدث مع أهله في مكان بعيد، لا يعرف كم الساعة، فيسألني، أجيبه بأنها الثانية إلا عشر دقائق. نظرت حولي متسائلا، هل هي الثانية ظهرا أم صباحا؟ وعندما لاحظت الشمس، قلت مكررا الثانية إلا عشرة ظهرا. ثم اكتشفت وأنا أغسل يدي ووجهي أن الساعة متوقفة، عندما شغلتها بدأت عقارب الساعة تتحرك بسرعة لتأخذ الوقت الصحيح، وبدأ الزمن المحيط نفسه يتغير، تحول الليل إلى نهار، حاولت أن أخبر الزميل بأني أخطأت، ولكني عجزت أن أجد الغرفة، تحول البيت إلى متاهة.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  ابراهيم غرايبة   جريدة الغد