أحيا المواطنون الأردنيون من اصول شركسية يوم أمس ذكرى يوم النكبة والحداد الشركسي والذي يعود إلى الحادي والعشرين من ايار 1864 والذي مثل عسكريا انتهاء المقاومة المسلحة القفقاسية للهجوم القيصري الروسي الذي استمر حوالي سبعين عاما من القتل والتدمير وكان يهدف إلى الاستيلاء على أراضي القفقاس الثرية بالموارد الطبيعية ويضيفها إلى الإمبراطورية الروسية. هذا التاريخ مثل أيضا بداية موجات الهجرة الشركسية إلى العالم العربي والإسلامي الواقع آنذاك تحت حكم الخلافة العثمانية في محاولة للحفاظ على الدين والثقافة والبحث عن الحرية التي استولى عليها الاحتلال الروسي.
ولكن الهجرة الشركسية لم تكن ابدا ميسرة ، بل أنها في حقيقة الأمر كانت عبارة عن عملية تطهير عرقي منظمة بالتعاون ما بين الروس الذين أراضوا الأرض بدون سكانها ، والعثمانيين الذين أرادوا الاستفادة من القدرات القتالية للشراكسة في حماية البنية التحتية للخلافة ، فكانت عملية التهجير واحدة من اشد المآسي التي شهدها التاريخ الإنساني ترويعا حتى لو لم تكن موثقة تاريخيا بالشكل المطلوب باستثناء بعض المبادرات الشجاعة من مؤرخين روس وأوروبيين منذ 150 سنة وبعض الباحثين الشراكسة بعد استقرارهم في بلادهم الجديدة.
لقد تم إبعاد وتهجير حوالي 1,5 مليون شركسي من القفقاس في ذلك الوقت اي حوالي %80 من السكان وقد تعرضوا للأهوال في رحلتهم نتيجة الأمراض والجوع والبرد ومخاطر الغرق في المياه وكانت النتيجة وفاة مئات الآلاف وكانت أسوأ الأحداث هي التي تمت في ميناء طرابزون على البحر الأسود حيث فتكت الأمراض بالمهاجرين كما كان أصحاب السفن التركية يحملون سفنهم أكثر من طاقتها الاستيعابية لنقل المهاجرين الشراكسة مما أدى إلى غرق عشرات الآلاف قبل الوصول إلى تركيا وسوريا والأردن وفلسطين وكذلك الامتداد اللاحق إلى نحو 40 دولة في العالم.
هذه المأساة الشركسية تعتبر واحدة من اشد نماذج القمع العرقي والديني سوءا في التاريخ ولكنها لم تحظ بالاهتمام الكافي دوليا ولا زال الشراكسة في القفقاس تحت الحكم الروسي ولكن ضمن نظام من "السلطة الذاتية" يتيح الحريات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وقليل من الحريات السياسية ولا يزال الشراكسة في كافة أنحاء العالم يستعيدون ذكرى بلادهم من خلال هذا اليوم.
وربما كانت الصدفة التي جمعت ما بين ذكرى الحداد الشركسي وذكرى الاستقلال في الأردن هي نوع من التذكير بالقدر الذي دفع بنسبة كبيرة من الشراكسة إلى هذا البلد الطيب ليتعاونوا مع أهله الكرام في إنشاء الدولة الأردنية الحديثة والحفاظ على الاخوة التي رسخت التكامل الاجتماعي في الأردن والتأكيد على أن المستقبل في هذا البلد هو لنا جميعا محافظين على العهد الذي قطعناه مع القيادة الهاشمية منذ عقود طويلة للعمل معا على تنمية وازدهار الأردن لمصلحة الجميع.
نحيي بحزن ذكرى التهجير والحداد الشركسي لنستعيد الماضي وقيمه المليئة بالشجاعة والشهامة والتضحية ونحتفل بفرح مع أبناء الشعب الأردني الواحد بعيد الاستقلال متطلعين إلى مستقبل يعتمد ايضا على قيم الشجاعة والتضحية والانتماء والإخلاص لله والوطن والملك.
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة باتر محمد علي وردم جريدة الدستور