نحتاج في الصحافة والإعلام (المؤسسات والعاملون والرسالة) إلى وقفة مراجعة واضحة، واعتراف بأن الصحافة في بلدنا لعلها تكون القطاع الأكثر تورطا ومشاركة في الفساد الذي يواجه اليوم موجة احتجاج غير مسبوقة. فقد كانت الصحافة الشريك الحليف للسلطة التنفيذية في سياساتها ومواقفها، ولجزء من القطاع الخاص في تغوله وفساده، والأسوأ من ذلك بكثير؛ فلم يكن الصحفيون والكتاب الصحفيون (إلا من رحم الله) إلى جانب المواطنين، وعملوا غالبا وسطاء لتسويق وتبرير السياسات الحكومية والشركاتية، وتقمصوا العقول الباطنة للنخب في استعلائها على المواطنين والمجتمعات وعدم احترام مطالبها وأولوياتها.
صحيح أن الصحافة تعرضت لظلم شديد، ولكن الصحافة (إلا من رحم الله) في بلدنا، سواء كانت مطبوعة أو مرئية أو مسموعة أو الكترونية، تعاني من فساد وانحياز وشللية، وانحطاط وضعف وعجز، وفوضى وفشل وكسل وعزلة عن الواقع، وغرور وابتذال وبهرجة وسطحية وفهلوة وتبعية وتطفل وطفيلية ونصب واحتيال، وترفع من هب ودبّ، وتظلم المستضعفين والمهمشين، وتكبّر الصغير، وتصغّر الكبير، وتغيب عند الحاجة إليها، وتحضر عندما يجب أن تغيب، ولا تعرف سوى ما لا نحتاج إلى معرفته، وتستغفل الناس ولا تحترمهم، وتبالغ في احترام السلطة والشركات، وتتاجر في آلام الناس وفقرهم بدون أن تساعدهم، وتعين الظالم على المظلوم، وتجعل الأبيض أسود والأسود أبيض، وتمدح من يدفع لها، وتذم من يمنعها شيئا، وتخضع للمعلنين ولو كانوا مصاصي دماء وقاطعي طرق، وتزين للناس الإنجازات والأعمال الصغيرة فتجعلها في أعينهم حسنة، وينطبق عليها قوله تعالى: "وسحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم".
سوف يبدو هذا القول ظلما لكثير من الصحفيين والمؤسسات الصحفية، وغمطا لجهود صادقة وجميلة لكثير من الصحفيين والمؤسسات الصحفية، ولكن المحصلة النهائية والغالبة لحال الصحافة والإعلام في بلدنا هي العجز والفشل والفساد. وأعلم يقينا أن المواطن ما يزال لا يعرف الحقيقة، ولم تساعده الصحافة في ذلك، بل إننا نشارك في ضياعها وتضييعها.
مبتدأ الأزمة، ببساطة، هو أن المؤسسات الإعلامية غير قادرة بذاتها على بناء موارد مستقلة تعود على مجتمع الإعلام وبيئته الشاملة بالحماية والاستقلال، وأن الاختيار للعمل في وسائل الإعلام ما يزال بعيدا عن التنافس العادل، أي إن الإعلام ببساطة ليس سوقا حرة تتنافس فيها بحرية وعدالة السلع والخدمات الإعلامية. ولم تساعد المجتمعات، في تعاملها مع وسائل الإعلام واستهلاكها لخدماتها، على تطوير العمل الإعلامي ودفعه إلى مزيد من الجودة والارتقاء. ويكاد يكون صحيحا القول إن وسائل الإعلام تعتقد أن بمقدورها أن تبث ما تشاء حتى لو كان هزيلا ومكرورا، وأن تقدم للمستهلكين والمجتمعات أي أشخاص حتى لو كانوا أميين.. هل صحيح أن المجتمعات والسوق المستهلكة للإعلام لا تميز بين الغث والسمين؟
ولا بأس من اقتباس مقولة الملك: "نريد إعلاما فاعلا ومؤثرا يحمل رؤيتنا لتحقيق الإصلاح الشامل، وبناء المستقبل الأفضل لجميع الأردنيين".
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة ابراهيم غرايبة جريدة الغد