لو قرأ كائن فضائي مقالة روبرت فيسك المنشورة في صحيفة الإندبندنت قبل يومين لكان سيعتقد بأن الأردن يواجه حالة من الصراع الداخلي ولكن هذا أبعد ما يكون عن الواقع. ولهذا فإن الصحافي البريطاني القدير والذي يحظى باحترام هائل في أوساط الإعلاميين والمثقفين العرب ربما يكون قد ارتكب خطأ مهنيا كبيرا في هذا المقال. أن واقع الحال يؤكد بأن المجتمع الأردني بكافة فئاته السياسية والاجتماعية يدرك تماما مدى خطورة الترويج لطروحات إنقسامية وتثير الشكوك والريبة ، وهي البذرة الأولى التي تهدد استقرار المجتمعات والدول.
من حق روبرت فيسك كتابة تفاصيل اجتماعه بدعوة من مجموعة من النشطاء السياسيين الأردنيين الذين يروجون لموقف محدد من العلاقة الأردنية - الفلسطينية ، ولكن الموضوعية والمهنية تقتضي ايضا رؤية الصورة الشاملة والالتقاء بالأطراف التي تحمل وجهات نظر أخرى ، وهي أطراف أكثر عددا وتأثيرا وخبرة في المعترك السياسي. لو أراد فيسك أن يكون موضوعيا في عرضه للواقع لتحقق ذلك بسهولة من خلال لقائه بالأطراف الأخرى وخاصة الشخصيات السياسية الأردنية التي أعلنت بوضوح مواقفها المؤيدة للوحدة الوطنية والرافضة للطروحات الإنقسامية وبالتالي يظهر لقرائه في كافة أنحاء العالم ، وهو يتحمل مسؤولية المصداقية أمامهم أن الأردن لا يزال وبحمد الله مجتمعا ودولة مؤمنا بالوحدة الوطنية والمساواة الدستورية.
يملك روبرت فيسك من الخبرة الكافية في تغطية مواقع النزاع المسلح في العالم العربي ما يجعله يدرك مدى خطورة الترويج للمواقف الإنقسامية والتي تثير شكوك فئات في المجتمع ضد فئات أخرى ، ويعرف بأن هذه هي التوجهات التي عادة ما تؤدي إلى تدهور الأستقرار. ولكن المشكلة أن الغالبية العظمى من الصحافيين والإعلاميين الغربيين يبحثون عن المحتوى المثير أكثر من الحقيقة المجردة ولهذا نجد أن بعض تقاريرهم حول الأردن والتي عادة ما تركز حول العلاقة الأردنية - الفلسطينية ، والإسلام السياسي وجرائم الشرف تتسم بطغيان نزعة الإثارة والمبالغة بدلا من الحقيقة ، فما هو المثير في الحديث عن دولة ومجتمع نجحا بشكل كبير في مواجهة هذه التحديات وإبقائها ضمن الحدود المقبولة ديمقراطيا؟ .
نعرف تماما أن هنالك مخططات ومؤامرات لحل القضية الفلسطينية على حساب الأردن ، ولكن من المهم أن يعرف الجميع بأن المدخل الوحيد لنجاح هذه المخططات هو إضعاف تماسك المجتمع ووحدته ، وزرع بذور الشك بين فئاته ولهذا تبقى المسؤولية مضاعفة في إدراك خطورة نقل هذا الجدال إلى مستوى الإعلام الدولي والترويج للطروحات التي تستهدف الوحدة الوطنية وهي لا تخدم إلا الأهداف الإسرائيلية في إضعاف المجتمع الأردني تمهيدا لاختراقه ، بغض النظر عن كافة التنظير المعادي لإسرائيل الذي يظهر في خطابات أية جهة تثير النزعات الإنقسامية.
هنالك تحديات اقتصادية وسياسية كبيرة أمام الأردن دولة ومجتمعا ، ولكن مواجهة هذه التحديات تجابه بالوحدة الاجتماعية والاستقرار والأمن والثقة ، وآخر ما نحتاج إليه هو زرع بذور الشك والريبة بين أفراد المجتمع.
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة باتر محمد علي وردم جريدة الدستور