شهدت عمان قبل يومين حدثا طريفا في المجمل. ربما لم يكن طريفا بشكل مقنع لعشرات المواطنين الذين علقوا مع مركباتهم في أزمة سير خانقة لمدة نصف ساعة في درجات حرارة عالية ، ولكن لا بد من القول إن المسيرة الصغيرة التي "خططت" لها مؤسسة بيتا لحماية حقوق الحيوانات قد اجتذبت الكثير من الاهتمام ، ولكن للأسباب الخاطئة تماما.

هذه المسيرة ربما ما كانت لتستقطب عشرة اشخاص ، لولا أن بعض وسائل الإعلام المحلية نشرت صبيحة ذلك اليوم المشهود أن إمرأة ستسير بثوب من الخس في شارع الرينبو تضامنا مع حقوق الحيوانات ودعوة للأردنيين إلى التحول نحو الغذاء النباتي ، لا الحيواني. مثل هذا الخبر يثير مئات الآلاف من القراء لأنه أولا يرسم صورة ذهنية لإمرأة - يفترض أن تكون أجنبية - لا ترتدي إلا ثوبا من الخس على جسد عار تسير في شارع في قلب عمان ، وكذلك لأنه يدعو إلى وقف ممارسة غذائية أصيلة في الثقافة الأردنية والعربية ، فهل يمكن تخيل المنسف بلا لحوم؟

تبين في نهاية الأمر أن الفتاة أردنية ، وارتدت رداءً محتشما وألصقت عليه كميات الخس التي استخدمتها ، ولكن الضرر قد حدث مسبقا حيث تجمهر الناس وتم إغلاق المرور في شارع مزدحم أصلا وسادت السخرية والغضب من "تردي الأخلاق والتصرف بطريقة بعيدة عن القيم العربية والإسلامية" كما تحدث آخرون عن جدوى هذا الموضوع ومدى أهميته مقارنة بما يحدث في العراق وغزة ، ناهيك عن المرارة التي أبداها البعض بأن الظروف الاقتصادية لا تسمح للمواطن الأردني بتناول اللحوم اصلا .

دعونا نتحدث بمنطق. لقد ارتكبت المؤسسة ، ربم ، ا خطأ بات متكررا من قبل الكثير من المنظمات التي تحاول استخدام أدوات دعاية وجذب وحملات قد تتناسب مع الثقافة والنمط الذهني للعمل الجماعي في دول الغرب ، وحتى في آسيا وأميركا اللاتينية وأفريقيا ولكنها لا تتناسب أبدا مع المجتمع الأردني ، وهكذا سقطت الرسالة الأساسية التي أرادت المؤسسة إيصالها للناس في خضم الإرباك الذي حدث ما بين الإشاعات بوجود إمرأة شبه عارية أو تعطيل حركة السير.

وفي ذات السياق لا بد من التفرقة ما بين رسالة الدعوة إلى الحرص على "حالة" الحيوانات التي يتم ذبحها وهذا مطلب يتناسب مع القيم الإنسانية ولا يتعارض أبدا مع القيم الدينية في ضرورة بذل جهد مخلص لعدم تعريض الحيوانات لظروف احتجاز وتربية قاسية ومن الضروري التركيز على هذه الرسالة الأخلاقية ، وما بين الدعوة إلى الإمتناع عن تناول اللحوم. إن الخيار النباتي للاشخاص هو خيار قد تحكمه الظروف الصحية والآراء الأخلاقية ولكنه لا يمثل قضية ذات أولوية صحية أو أخلاقية لأن اللحوم هي دائما غذاء مناسب لكافة الكائنات ، ومبدأ الإفتراس هو اساسي في النظام الطبيعي. ما يمكن الدعوة بشأنه هو الترشيد في استهلاك اللحوم لأن هنالك ممارساتْ كثيرة تؤدي إلى هدر كميات كبيرة من اللحوم أو قيام بعض المقتدرين بتناول كميات كبيرة ايضا تساهم في حدوث اضرار صحية وجسدية وتثاقل وبعض الأمراض التي تظهر في مراحل مختلفة من العمر.


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة  باتر محمد علي وردم   جريدة الدستور