ثمة حاجة للتمييز بين ثلاثة كيانات، هي الدولة بمعنى السلطات والمؤسسات الرسمية جميعها؛ والمجتمع؛ والقطاع الخاص. ثم نحتاج لملاحظة دور ومسؤولية كل قطاع في الإصلاح، وحدود ومجالات الشراكة والتنافس.. والأكثر أهمية أن ندرك/ نحدد مجالات ولاية وعمل كل قطاع، لأن ذلك "يفترض" أن يوجه الحراك الإصلاحي والمطلبي والتجمعات الشعبية والسياسية تجاه أهداف صحيحة، ولا يجعلنا نتظاهر ضد المؤسسة أو الجهة الخطأ.
هناك تصور واضح للمؤسسات والمجالات الرسمية والخاصة، ولكن المجتمعات تبدو وكأنها ليست كيانا شريكا في المسؤولية والموارد والولاية. وبتقديري فهذا هو مقتل الحراك الإصلاحي، والإصلاح بعامة؛ فلا يمكن للناس أن تتحرك وتعمل لأجل الإصلاح أو التعامل مع السلطة التنفيذية والقطاع الخاص من غير أن تعبر عن نفسها بكيان مجتمعي حقيقي وفاعل. وهذا الغياب الوجودي والكياني للمجتمعات يغيّب الحراك الإصلاحي ويشتته، ويجعله عرضة للاستدراج والتضليل والاحتواء. فالجماهير والاعتصامات والمطالب والأحلام الكبرى لا تصنع ولا تغيّر شيئا من غير مؤسسات مجتمعية حقيقية تحمل هذه الأحلام؛ أحزاب سياسية تملك رؤية وقواعد اجتماعية، وبلديات تملك مواردها وتدير مستقلة الخدمات الأساسية للناس، ونقابات مستقلة مرتبطة بالمهن والمجتمعات والطبقات المنشئة لها، وليس بأصحاب الأعمال أو بمصالح قادتها، وتعاونيات تنشئ وتدير استثمارات ناجحة أو مكتفية حول السلع الأساسية، ومنظمات مجتمع مدني حقيقية تعبر عن تجمع ووعي حقيقي وواضح لغايات عمل هذه المنظمات، وإعلام مجتمعي مستقل تملكه المجتمعات، وقادر على تمويل نفسه. وبدون هذه السوية الاجتماعية ومتطلباتها الاقتصادية فإن الإصلاح يعتمد على الحظ الحسن والنوايا الحسنة!
ليست الدولة هي التي تشكل وتنظم المجتمع، ولكن المجتمع ينظم ويشكل نفسه. والمجتمع والدولة يتشاركان، يتعارضان، يتفقان، وما نحتاج إليه كيان مجتمعي على قدم المساواة والندية والقدرة أيضا مع الدولة.
المجتمعات يجب أن تكون كيانا مستقلا يملك موارده المستقلة ومؤسساته المستقلة، ويملك الولاية على مجموعة من الخدمات مثل الثقافة والمساجد والكنائس والرياضة والإعلام وتنظيم المدن والطرق والبيوت والمرافق العامة والرعاية الصحية الأولية والرعاية الاجتماعية الأساسية والتعليم الأساسي والتعليم الديني والمشاركة في تنظيم ممارسة الحرف والمهن، وتوفير السلع الأساسية.. وغير ذلك من موارد وولاية لا يجوز تفويضها للسلطة ولا للأسواق.
ويكون الإصلاح في مبتدئه وعيا مجتمعيا، أو هو ببساطة إدارة الفرق بين وعي الناس لما يريدونه وبين واقعهم القائم. وبغير ذلك فليس من أحد أو مؤسسة أو حزب موثوق ويطمئن له تماما بأنه مصلح. مشكلتنا الحقيقية أننا بحاجة إلى قاعدة اجتماعية تملك الوعي والمعرفة الكافية والناضجة لما نريده، لا نحتاج إلى جماهير ساخطة تهتف في الشوارع والميادين، ولا إلى مصلحين عظماء يأتوننا من خارج السياق الاجتماعي، السؤال ببساطة هو: كيف تنظم المجتمعات والطبقات والمصالح والأفكار نفسها حول رؤيتها ووعيها؟

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  ابراهيم غرايبة   جريدة الغد