كيف نجمع بين مواصلة التعليم ومواصلة العمل لأجل إنصاف المعلم والارتقاء بالتعليم بعامة؟ مؤكد أن الارتقاء المعيشي والاجتماعي بالمعلم والتعليم موضع إجماع وتأييد في الرأي العام، ومؤكد أيضا أن المعلم يواجه حالة من الإضعاف والتهميش، والتعليم العام أيضا تعرض لعملية تدمير منهجية واعية. ولكن هذا الضعف والإضعاف والتهميش للمعلم والتعليم بعامة بدأ قبل أربعة عقود على الأقل، ونحن اليوم في مواجهة حالة متراكمة من الضعف والترهل في التعليم، ولسنا أمام قرار أو قانون محدد نُضرب لأجله، ولسنا أيضا بصدد مطلب محدد واضح يمكن أن نفك الإضراب لأجله. ولذلك، فإن إصلاح التعليم وإنصاف المعلم ستكون عمليات نضال طويلة ومتواصلة، تحتاج إلى عشر سنوات على الأقل، من حسن النية والعمل المشترك بين المعلمين والحكومة والمجتمع.. والقطاع الخاص (يا حسرتي!). ولن يكون ذلك سهلا ولا تلقائيا، ولكنه سلسلة طويلة من الجدل والضغوط والتحالفات الاجتماعية والسياسية. ولذلك، فإن المعلمين بحاجة إلى نفس طويل جدا، وعمل متواصل لن يتوقف! وهم (المعلمون) يعتمدون على المجتمع في التأييد والحشد، وإذا فقد التأييد والتضامن المجتمعي، فإنهم سيواجهون احتمال خسارة التحالف الحكومي.
الحكومة تحتاج إلى المعلمين أيضا، وتستطيع بناء تحالف سياسي اجتماعي معهم يؤسس لعملية إصلاح راسخة وشاملة تعود بالمصداقية والثقة على الدولة والمؤسسات والحكومات الرسمية بعامة، لأن بدء استعادة ثقة المجتمعات والناس تكون بعمليات إصلاح شاملة لأوضاع التعليم والمعلمين، والكثير منها يمكن تدبيره في خطط وسياسات مقدور عليها، مثل التوسع في إسكان المعلمين، وصناديق الادخار والاستثمار والتسهيلات الممكن منحها لتعاونيات من المعلمين، وتأهيل المعلم بالكفاءة والتدريب، والتوسع في فرص التطوير والتشجيع للمبادرات والتفوق الإبداعي والإداري، لتكون مدخلا للارتقاء المهني والوظيفي في الدولة والمجتمع والقطاع الخاص (يا حسرتي!). ولكن يحتاج أصحاب المدارس الخاصة أن يفهموا أن ذويهم ليسوا بالضرورة مدراء ومعلمين ناجحين، وبخاصة إذا كانوا لا يملكون شهادات جامعية.
وتحتاج الحكومة أن تدرك أنه لم يعد ممكنا تجاهل الفئات والطبقات الاجتماعية المهمشة وغير المنظمة جيدا وغير القادرة على إسماع صوتها، وفي الوقت نفسه مواصلة مجاملة ومحاباة الأكثر ثراء والأكثر نفوذا، سواء في التشريعات أو في الإنفاق وتوزيع الموارد العامة وجمع وإدارة الضرائب؛ فقد حان الوقت لمواجهة التهرب الضريبي وإعادة النظر في التشريع الضريبي وعدالة التوزيع والعدالة الاجتماعية بعامة. عندما يدرك المعلم، أو يملك الأمل أنه يستطيع بعد سنوات من العمل والتطوير والإبداع والتفوق أن يحصل على سكن ضمن قدراته المالية، وأن تكون لديه ادخارات لنهاية الخدمة، وأنه يتمتع بتأمين صحي لائق وكريم، وأن أولاده يمكن أن يحصلوا على تعليم ورعاية لا ترهق ميزانيته الشخصية، وأنه يملك فرصا معقولة للارتقاء والتنافس على الفرص والابتعاث والتدريب، وأن نقابة المعلمين الموعودة قادرة على حماية مكتسباته وتطويرها وتطوير مهنة التعليم، فإن فرص التفاهم والإصلاح تكون قريبة جدا؛ كم نسبة من عمل في التعليم من النواب والأعيان والوزراء والمدراء والأمناء العامين؟
وبالمناسبة، فإن مهنة التعليم تواجه طلبا متزايدا في العالم، ويمكن لمعلمين أردنيين مؤهلين جيدا أن يشاركوا في سوق العمل العالمية وليس الخليجية فقط.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة ابراهيم غرايبة جريدة الغد