"وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ" (الحج، الآية 11).
لا يمكن فهم الإسلام والدين بعامة فهما صحيحا، ولا يمكن تطبيقه تطبيقا صحيحا، إلا في ظل نظام سياسي واجتماعي وثقافي علماني؛ أو بعبارة أكثر دقة، فإن النظام العلماني هو الأقرب إلى الإسلام، وهو أفضل بيئة مساعدة على الاقتراب من الصواب في فهم الدين/ الإسلام وتطبيقه، لأن العلمانية هي أفضل ضمانة (ربما) لعلاقة صحيحة بين الإنسان وبين الربّ. 
فالقرآن والكتب السماوية نزلت من السماء باعتبارها رسالة من الله إلى الإنسان على نحو فردي أساسا، ولا علاقة بها لسلطة أو جماعة. وهذا التدخل السلطوي أو المجتمعي في العلاقة بين الإنسان وبين الله يفسد الدين ويضلل المؤمنين، ويدخل في التدين الهوى والرياء والمكاسب الدنيوية والفاسدة، ويحول الدين من رسالته الأساسية إلى أداة سلطوية ومورد مادي لفئة من الناس وطبقات في المجتمعات والدول. وعندما يقابل الإنسان ربه يوم القيامة فردا كما ينص القرآن "وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا" (مريم، الآية 95)، فإنه يتحمل وحده مسؤولية أقواله وأفعاله ومعتقداته وأفكاره، ولن تفيده بشيء السلطات والهيئات الدينية والسياسية.
وكثير من التطبيقات المنتسبة إلى الدين والإسلام اليوم جاءت بها أفكار وآراء بشرية تزعم صواب فهمها للدين، ولكنها لا تملك حقا ولا تفويضا بذلك سوى ثقة المؤمنين واتّباعهم. وهي في ذلك، وفي كثير من الأحيان، شوهت الدين وحرفته عن مقاصده، ولبست على المؤمنين الدين والصواب. وكان أصوب وأنقى للدين والتدين لو ترك الدين شأنا فرديا خاصا بكل إنسان على حده، وأن ينشئ كل إنسان فهمه للدين وفق طمأنينته وقناعته وفطرته بدون أهواء أو شوائب أو منافع أو مؤثرات أو ترغيب او ترهيب، وبدون تأثير للسلطات والجماعات والتراث ودعاوى الوساطة بين الله والإنسان. فحتى الرسول لا يملك هذا الحق الذي ادعته جماعات وهيئات وسلطات "وما على الرسول إلا البلاغ" (النور، الآية 54). 
فالمؤمن حين يعتقد أنه يفعل شيئا أو يؤمن بفكرة وهو يعلم أن هذا شأن روحي خالص لا علاقة لأحد به، فإنه يفعل ذلك معتقدا أنه يبحث بصدق وفطرة سليمة عن الصواب وما يصحح علاقته بالله، ويفترض أن ذلك ما يمنحه الثراء الروحي والارتقاء الذي يبحث عنه. ولذلك فليس ثمة ضمانة قائمة للتدين الصحيح سوى العلمانية!
ثمة مؤسسات وجماعات وسلطات تضع الدين في مواضع لم يأمر بها الله تعالى. والكثير من الناس يديّن المسائل أكثر مما أوصى الله. وهم لا يختلفون في ذلك عمن يصلي الظهر خمس ركعات بدلا من أربع، أو من يريد للصلوات أن تكون عشرا بدلا من خمس.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  ابراهيم غرايبة   جريدة الغد