التجمعات النفطية وتكتونية الأطباق
التجمعات النفطية هي عبارة عن مواد هيدروكاربونية متكونة من بقايا أحياء نباتية وحيوانية محفوظة في الصخور الرسوبية. وتحتاج عملية تكون التجمعات النفطية إلى بيئة جيولوجية مناسبة تتمثل بوجود حوض رسوبي يمتاز بالخصائص التالية:
(1) أن يحتوي على (صخور مصدرية) وهي الصخور الحاوية على المواد العضوية بنسبة لا تقل عن (15 %)، وعلى (صخور خازنة) تمتاز وتعرف بمسامية ونفاذية عالية، ومن ثم على (صخور غطاء) غير منفذة تمنع هروب النفط من الصخور الخازنة.
(2) أن يكون شبه مغلق وذو معدل ترسيب عالي لتوفير بيئة مختزلة تمنع تفسخ المواد العضوية.
(3) أن يزداد عمقه باستمرار لتكوين عمود رسوبي سميك يعمل على ضغط الرسوبيات السفلى وزيادة درجة حرارتها لنضوج المواد العضوية وتحولها إلى نفط وغاز، إذ تحتاج المواد العضوية إلى درجة حرارة تتراوح بين (50) إلى (150) درجة مئوية حتى تتحول إلى نفط وغاز.
(4) أن يتعرض إلى قوى جانبية أو عمودية تؤدي إلى تشويه التتابع الطباقي فيه وتكوين تراكيب جيولوجية ثانوية (طيات وكسور وتراكيب ملحية) تعمل على اصطياد النفط. والشكل (1) يبين بعض أنواع المصائد النفطية الشائعة.
إن جميع الخصائص هذه لا يمكن لها أن تكون التجمعات النفطية دون وجود الزمن الكافي والذي يقدر بملايين السنين، إذ أن زيادة الزمن الجيولوجي يؤدي إلى حدوث التغير التدريجي للتركيب الكيميائي للمواد العضوية وتحولها إلى نفط وغاز.
التجمعات النفطية وحافات الأطباق:
من الممكن أن يرتبط وجود هذه التجمعات بنوعية الحافات بين الأطباق والتي هي عل نوعين: الحافات التقاربية والحافات التباعدية.
أولاً: التجمعات النفطية في الحافات التقاربية (Convergent Boundaries):
تمثل الأقاليم الناتجة من تقارب طبقين من بعضهما البعض بيئات مناسبة جداً لتكون التجمعات النفطية، وهذه البيئات على ثلاثة أنواع اعتماداً على نوعية الطبقين المتقاربين. فهناك بيئات ناتجة من تقارب طبقين محيطيين، وبيئات ناتجة من تقارب طبق محيطي من آخر قاري، وبيئات ناتجة من تقارب طبقين قاريين.
البيئتين الأولى والثانية، هما بيئتان غورانيتان يغطس فيهما الطبق المحيطي أسفل الطبق القاري أو أسفل الطبق المحيطي الآخر. في هاتان البيئتان تتكون الخنادق البحرية (Sea Trenches) الضيقة والعميقة، كما وتتكون أيضاً سلسلة من الجزر القوسية (Island Arcs) ، وكلاهما، الخنادق البحرية والجزر القوسية، يكونان موازيين لحافتي الطبقين المتصادمين، ويشكلان بحاراً هامشية أو أحواضاً طولية ضيقة تعرف بالأحواض الترسيبية (Sedimentary Basins) كانت فيما مضى تسمى بالجيوسنكلاين (Geosyncline).
تساعد كل من الخنادق وسلاسل الجزر القوسية في خلق بيئات مناسبة لتكون التجمعات النفطية وذلك للأسباب التالية:
(1) تعمل هذه الخنادق والجزر كحواجز تمسك الترسبات والمواد العضوية القادمة من القارات والأحواض المحيطية.
(2) يساعد شكل الخنادق والأحواض الهامشية الصغيرة على تحديد دوران الماء المحيطي وبالتالي يقلل كمية الأوكسجين في هذه الأحواض وخلق بيئة مختزلة ملائمة لحفظ المواد العضوية.
(3) ارتفاع درجات الحرارة في هذه الأحواض نتيجة لقربها من مصادر النشاط الناري يؤدي إلى نضوج المواد العضوية وتحولها إلى هيدروكاربونات بشكل أسرع.
(4) تعتبر الخنادق والأحواض الصغيرة مناطق جيدة لتجمع الترسبات التي غالباً ما تتعرض إلى تحويرات بسبب القوى التكتونية المصاحبة لتكونها مما ينتج عنه وجود تراكيب جيولوجية تعتبر مصائد وخزانات جيدة للنفط.
وعلى هذا المبدأ فان هذه الأحواض الهامشية شبه المغلقة والمحصورة بين الجزر القوسية والخنادق البحرية تعد واحدة من أهم مناطق التجمعات النفطية في العالم، والتي من أمثلتها جزر اليابان والفلبين واندنوسيا، حيث تعمل هذه الجزر على تقسيم حوض المحيط إلى عدد من الأحواض الصغيرة تنحصر بين هذه الجزر والقارات. وتشمل هذه الأحواض على سبيل المثال بحر اليابان والبحر الأصفر وبحر شرق الصين وبحر جنوب الصين وغيرها.
البيئة الثالثة، التي تنتج من تقارب طبقين قاريين، تنشأ عندما تكون المسافة بين الطبقين قليلة، إي أن الحوض الناشئ هو حوض ضيق يعمل على التقليل من حركة المياه بصورة حرة، وكذلك تجميع الرواسب الفتاتية والعضوية وبالتالي يشكل بيئة مناسبة لتجمع الهيدروكاربونات. ومع استمرار التقارب بين الطبقين تتكون قوى ضغط تؤدي إلى حدوث عمليات تشويه وتكون تراكيب جيولوجية ثانوية (كسور وطيات) تمثل مصائد نفطية جيدة.
ثانياً: التجمعات النفطية في الحافات التباعدية (Divergent Boundaries):
تشارك عملية انتشار القيعان البحرية في الحافات التباعدية ، في بناء بيئات ترسيبية مناسبة للتجمعات النفطية في المراحل الأولى لعملية الانفتاح، التي تتضمن انفصال الكتلة القارية إلى طبقين وحركتهما بعيداً عن بعضهما واندفاع مواد الجبة الأرضية مكونة محيطاً جديداً بينهما. ويعمل جزءا القارة المنفصلان كحواجز تحد من عملية دوران الماء البحري وهو ما يساعد على حفظ المواد العضوية. وإذا كانت عملية التبخر أكبر من عملية التجهيز فأن طبقات سميكة من الملح تترسب في داخل الحوض الرسوبي. وباستمرار عملية الانفتاح فأن الأملاح والمواد العضوية تندفع إلى الجانبين وتدفن تحت الترسبات السميكة الحديثة. وتساهم هذه العملية في تكون النفط حيث تشكل الطبقات الملحية أجساماً قبابية اختراقية أو غير اختراقية، تعمل كمصائد للتجمعات النفطية .
مثال على ذلك مراحل انفتاح المحيط الأطلسي، إذ أن الظروف ساهمت في حفظ المواد العضوية وترسيب الصخور الملحية التي اندفعت بعد ذلك إلى الجانبين (الحافتين الخاملتين) وطمست تحت الترسبات السميكة. وهذه الظروف تساهم في تكون التجمعات النفطية الممتدة باتجاه البحر تحت مناطق الحافات القارية الخاملة وعلى امتداد أجزاء كبيرة من المناطق الساحلية للجانب الشرقي من الأمريكيتين. ومن المحتمل وجود الشيء نفسه في العديد من الأحواض المحيطية الأخرى المتكونة بعملية انتشار القاع البحرية.
يمكن أن تعمل الحافات التباعدية على تكوين أحواض انهدامية (Rift Basins) داخل القارات دون أن تتطور إلى حوض محيطي، وهي تظهر عندما لا تكون قوى التباعد كافية لإتمام عملية الانفتاح. والأمثلة على ذلك عديدة منها الانهدام التدمري (Palmyrian Rift) في وسط سوريا والذي يعد مثالاً فريداً للانهدام داخل القارات (Intracratonic Rift). يقدر بعضهم أن بدايات هذا الانهدام تعود إلى أوائل الباليوزويك.
ولكن الانهدام الحقيقي بدأ مع بداية العصر الترياسي حيث شكل بحراً انهدامياً داخل قارة كوندوانا. صخور الترياسي الأسفل كلسية تحولت في الأوسط إلى كاربوناتية مع طبقات من الشيل تعلوها طبقات سميكة من الملح والانهايدرات تجاوزت سماكتها في بعض المواقع الألف متر، وهي التي سوف تمثل الصخور الخازنة فيما بعد. ولم تكن الطاقة كافية لاستمرار التوسع والانفتاح، غي أن الحرارة المنسابة من الأعماق ساهمت في إنضاج المادة العضوية في صخور الباليوزويك والميسوزويك والتي تمثل الصخور المصدرية المولدة للمواد الهيدروكاربونية. إن اندفاع الطبق العربي من الجنوب الغربي باتجاه الشمال الشرقي نتيجة لانفتاح البحر الأحمر المستمر منذ قرابة (35 مليون عام) حتى الآن ساهم بالإضافة إلى حركة الطبق التركي من الشمال نحو الجنوب في طي الغطاء الرسوبي التدمري وتشكيل ما يعرف الآن بالحزام التدمري. يضاف إلى ذلك حدوث انزلاق، الطبقات التي تعلو تشكيلة الملح والانهايدرايت اللدنة والتي شكلت سطح انفصال (Detachment Surface) نتيجة حركة أفقية بحيث غدت التراكيب التي عانت من هذه الحركة الجانبية ذات محورين أحداهما يمثل الطبقات العميقة والآخر يمثل الطبقات التي تشكلت فوق سطح الانزلاق. هذه العملية أدت إلى تكوين تراكيب الطيات التي شكلت مصائد نفطية. ولا شكك أن الحرارة الداخلية التي نتجت عن تشقق القشرة القارية والتباعد الذي أدى إلى تكوين الانهدام التدمري ثم التجمعات الرسوبية التي ملأت هذا الانهدام بالإضافة إلى الانضغاط الجانبي، قد ساعدت جميعها في تشكل طبقات من الغاز والنفط، بعضها اكتشف وبعضها ما زال ينتظر دقاق الحفر.
إن النفط المتكون في مناطق التصادم وخصوصاً الغورانية منها يكون أكبر بكثير من النفط المتكون في الحافات التباعادية خصوصاً الانهدامية منها، والسبب في ذلك يعود إلى عاملين: الأول، يتمثل بتأثير درجة الحرارة الذي يكون أكبر في المناطق التصادمية عما هو عليه في المناطق التباعدية، إذ أن مناطق الغوران مسئولة عن اندفاع داخلية تؤدي إلى نضج المادة العضوية في الصخور الرسوبية وتحولها إلى نفط وغاز. والثاني، يتمثل بوجود الخنادق البحرية العميقة في مناطق الحافات التصادمية الغورانية التي تعمل على تجميع كميات كبيرة من المواد الرسوبية الحاوية على مواد عضوية غزيرة.
أن نظرية تكتونية الأطباق يمكن أن تساعد في تسهيل وتيسير مهمة الكشف عن التجمعات النفطية في العديد من مناطق العالم والتي يمكن أن يرتبط وجودها بالحافات التقاربية أو التباعدية للأطباق المتحركة، كما أنها تساهم في فهم متميز جداً لعمليات تشكل النفط والغاز في الصخور الرسوبية.
المراجع
geologyofmesopotamia.com
التصانيف
جيولوجيا جيولوجيا الأرض الجغرافيا علوم الأرض والبيئة