في حالة أعادت إلى الأذهان الأزمة الغذائية العالمية في العامين 2007 - 2008 ارتفعت في الأسابيع الثلاثة الماضية اسعار القمح عالميا إلى الضعف تقريبا بعد تعرض مناطق شاسعة من روسيا وأوكرانيا وكازاخستان والصين واستراليا إلى موجات من الحر الشديد الناجم عن تغير المناخ والتي أدت إلى حرائق في بيادر القمح. هذه الكارثة الطبيعية - ولو أنها من صنع البشر فعلا - إضافة إلى الخطورة المتزايدة لوباء صدأ القمح الذي بدأ يظهر في مناطق عديدة من إفريقيا أصبح يشكل ضغطا اقتصاديا وماليا على الكثير من الدول النامية وخاصة في منطقة البحر الأبيض المتوسط وإفريقيا.

بالنسبة إلينا في الأردن يؤكد وزير المالية أن ارتفاع أسعار القمح سيؤدي إلى ارتفاع كلفة الدعم المخصص من الخزينة لشراء القمح بمبلغ 45 مليون دينار ويمثل نصف الدعم السنوي المخصص والبالغ 90 مليون دينار وذلك بسبب التوجه إلى استيراد القمح من الولايات المتحدة وأوروبا بدلا من روسيا وأوكرانيا اللتين فرضتا حظرا على تصدير القمح بسبب تراجع الإنتاج المحلي. المشكلة حسب الحكومة ستكون مالية وليست إستراتيجية لان مخزون القمح في المملكة يغطي فترة تتراوح بين 5 و6 اشهر وهي فترة مناسبة من الناحية الإستراتيجية لدولة غير منتجة للقمح.

ولكن تكرار دورات ارتفاع اسعار القمح والتوقعات شبه الأكيدة بسيادة المناخ الحار والجاف نتيجة ظاهرة تغير المناخ التي صنعها الإنسان في العديد من دول العالم يجبر الأردن على التفكير طويل الأمد في زيادة السعة التخزينية للقمح من 450 ألف طن وهي السعة الحالية إلى 600 ألف طن من خلال بناء المزيد من الصوامع وطرح عطاءات شراء القمح في الفترات التي تكون فيها الأسعار متدنية وخاصة في فصل الشتاء ، ويمكن الحصول على أفضل السيناريوهات المتوقعة لأسعار القمح من خلال إنشاء وحدة رصد وإنذار مبكر في وزارة الصناعة والتجارة أو الزراعة مخصصة لدراسة حالة اسعار القمح وإنتقاء أفضل الأوقات سنويا لشراء الكميات الاكير بالأسعار الأدنى.

منذ أن قررنا في هذا البلد أن نبني المساكن والتجمعات السكانية على الأراضي البعلية التي كانت تمثل سلة القمح في المنطقة دمرنا بإيدينا قدرتنا على تحقيق الأمن الغذائي في الحبوب ، ومع الزيادة الكبيرة في عدد السكان والنقص الفادح في مصادر المياه والتي تجعل من شبه المستحيل تخصيص مياه عذبة لري القمح بات الاعتماد فقط على ما تبقى من بيادر طبيعية وبعلية يمكن إنتاج القمح من خلالها ولكن ذلك لن يغطي أكثر من %10 من الاحتياجات حتى في حال استخدام أفضل أنواع التكنولوجيا.

وسيضاعف تغير المناخ من حجم المشكلة محليا وذلك عبر مسارين متوازين أولهما تراجع هطول الأمطار في المناطق المرتفعة والتي تعتبر الأكثر ملائمة لإنتاج القمح مما يعني استحالة التوسع في إنتاج القمح محليا مع تراجع المطر ، والمسار الثاني هو تأثير تغير المناخ على العديد من المناطق المنتجة للقمح وخاصة في وسط آسيا وروسيا وأوكرانيا والارجنتين ودول شرق آسيا التي قد تواجه مشاكل كبيرة في الحفاظ على أمنها الغذائي وقد تضطر لدخول سوق شراء القمح العالمي مما سيعني المزيد من رفع الأسعار.

مثل هذه التهديدات التي تتسبب بها سياسات وظروف دولية خارجة عن تحكم الدولة الأردنية تتطلب إدراكا ووعيا بالسيناريوهات المحتملة ، وهذا ما يجعل من زيادة السعة التخزينية للقمح مطلبا إستراتيجيا للأردن.


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة  باتر محمد علي وردم   جريدة الدستور