قبل اسابيع أصدر مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية كتابا ضخما يتضمن قائمة باسماء المنظمات غير الحكومية في الأردن والتي وصلت إلى 1500 منظمة تقريبا حسب هذه الموسوعة. هذا يدل بوضوح على تقدم وتطور ونشاط المجتمع المدني في الأردن ولكن قراءة منصفة ومتعمقة لبعض نشاطات واسماء هذه المنظمات تعطينا انطباعا فوريا بأن هنالك "دكاكين" يتم إفتتاحها لأغراض غير تنموية وتضم مؤسسات - في حال أمكن إطلاق الوصف عليها - لا تملك من رصيدها إلا رقم هاتف نقال أو مكتب صغير في عمارة وربما موظف واحد أو إثنين ويتم تسجيلها كشركة غير ربحية في وزارة الصناعة والتجارة وتحمل أسماء وألقابا هائلة مثل "المركز الدولي" أو "المنظمة الإقليمية" أو حتى منظمة "الكون والإنسان" ، اي تجاوزنا المجموعة الشمسية بكواكبها الثمانية ووصلنا إلى الكون،

لابد من أكون صريحا وأقول أنني أعمل في مجالات البيئة والتنمية منذ 17 سنة ، وقد ذهلت من أسماء بعض المنظمات والقائمين عليها بسبب إدراكي التام بأنها لا تملك الحد الأدنى من المقومات اللازمة للعمل في هذا المجال. هنالك بلا شك منظمات عريقة ومؤثرة ، وهنالك مؤسسات صغيرة ولكنها فعالة نتيجة نشاط أعضائها ولكن هنالك مجموعة لا يستهان بها من المنظمات ليست إلا عبارة عن مشاريع فهلوة للحصول على التمويل الأجنبي أو حتى المحلي من خلال الوزارات المعنية والدخول في نخبة المجتمع والحصول على فرص السفر والمشاركة في المؤتمرات الدولية بدون مردود حقيقي.

في إحدى المناسبات راجعت مكتب سياحة في مركز تجاري ولدى نزولي بواسطة الدرج وجدت ورقة صغيرة مكتوبا عليها "المركز الدولي للتنمية المستدامة" ، اي أن صاحب هذا المكتب في شقة صغيرة في مجمع تجاري لا يملك القدرة على إعداد شعار أو عنوان أنيق يريد معالجة مشاكل التنمية المستدامة في العالم وليس في الأردن فقط ، وهي مهمة عجز عنها البنك الدولي نفسه وهو المرجعية في هذا القطاع.

ويمتد هذا المرض من أجل التفاخر والفهلوة حتى إلى المؤسسات الأكاديمية التي يفترض بها أن تدرك معنى المصداقية في العلم وفي العمل ، فقد قامت جامعة حكومية مؤخرا بالإعلان عن افتتاح "المركز الدولي للبيئة والمياه" وهو يضم حوالي 40 باحثا أردنيا نحترمهم جميعا وبعض المعدات والبنية التحتية البحثية ، ولكن لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون مركزا دوليا للبيئة والتنمية وهي قطاعات تحتاج إلى خبرات واتصال وتاريخ طويل ، ولكن هذه الأسماء اصبحت مشاعا ومعظمها من أجل استقطاب الجهات المانحة ، وكأن هذه الجهات ستكون ساذجة بالشكل الكافي للوقوع في فخ الأسماء.

وكذلك نجد مؤتمرات تنظمها مؤسسات محلية تضم ربما 3 - 4 باحثين من خارج الأردن ومن غير اصحاب الخبرة الحقيقية يتم تسميتها "بالمؤتمر الدولي" أو "المؤتمر العالمي" ويتم فيها عمل دعايات وبرامج علاقات عامة ناجحة ولكن بدون اي مضمون معرفي وعلمي يستحق أن يرتقي إلى لقب "الدولي".

لدينا في هذا المجتمع شعور بطغيان الذات وهو يصل حتى إلى المؤسسات التنموية والأكاديمية ويظهر من خلال هذا الإنبهار الغريب بإنشاء مراكز ومؤسسات بسيطة يمكن لها أن تحقق الكثير في حال بدأت متواضعة وبتركيز على المنجزات بدلا من إطلاق أسماء وألقاب قد تثير الشعور بالفخامة لدى أصحابها ولكنها قد لا تثير إلا التعجب السخرية لدى المتابعين الجديين. أن أنجح المشاريع والمؤسسات الدولية بدأت صغيرة وبإدارة واقعية ثم إنتشرت وحققت لنفسها نجاحا ، ولكننا دائما نحب أن نبدأ بالقسم الكبير ثم يتراجع الزخم تدريجيا فلا يبقى لدينا لا "مركز" ولا "دولي" والتجارب في هذا الصدد كثيرة جدا.


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة  باتر محمد علي وردم   جريدة الدستور