تشير البيانات المفزعة الواردة من اليمن بأن مدينة صنعاء ستكون أول عاصمة في العالم تنضب من مصادر المياه بحلول العام 2017 وسوف يعاني سكان المدينة من تبعات هذا المصير المؤلم من خلال "إبتداع" خيارات غير تقليدية للحصول على مياه الشرب ، كما من المتوقع أن يؤدي هذا الوضع إلى إضطرابات اجتماعية شديدة تزيد من حدة التوتر السياسي والاقتصادي الحالي في اليمن.

وفي نفس الوقت ، تشير السجلات الطبية إلى ارتفاع هائل في معدلات الإصابة بالسرطان في اليمن وخاصة سرطان الحنجرة والبلعوم ، وهذا ما يتضمن تكلفة مالية هائلة على العلاج وكلفة نفسية قاسية ترتبط بمعاناة المرض ومن ثم الوفاة في معظم الحالات. أما إقتصاديا فإن الشعب اليمني ينفق سنويا 1,3 بليون دولار على نشاط غير إنتاجي وغير مفيد يشكل القاسم المشترك الأعظم بين كل هذه الظواهر وهو استهلاك نبتة القات المخدرة.

نحترم دائما الثقافات المحلية والقيم المرتبطة بالتاريخ والنشاطات الاجتماعية ولكن المحبة والحرص على اليمن الشقيق يجعلنا نشعر بكثير من الإنزعاج ونحن نتابع هذا الإستنزاف المرعب للمياه والاقتصاد والصحة وغيرها من التأثيرات السلبية الكبيرة الناجمة عن تناول القات في اليمن ، وهي مشكلة أقرت الحكومة اليمنية بها إضافة إلى الكثير من المنظمات التنموية وبعض الأحزاب السياسية والدعاة ولكن لا تزال بدون حل جذري حتى هذه اللحظة.

تستنزف زراعة القات في اليمن حوالي %60 من المياه المخصصة للزراعة وتقوم على حوالي %70 من الأراضي القابلة للزراعة ، والتي تشكل بدورها %73 من كافة مخصصات المياه في اليمن ، وهذه كمية كبيرة جدا وتؤدي إلى ضياع المياه الجوفية الثمينة في زراعة محصول لا يرتبط مباشرة بالأمن الغذائي ، بل له تداعيات سلبية على الإنتاجية والعمل والصحة والاقتصاد ، وتقدر الأرقام الرسمية لوزارة الزراعة اليمنية أن حوالي 4 آلاف بئر في منطقة صنعاء الكبرى وحدها تم حفرها لغايات ري القات والتي تصنفه منظمة الصحة العالمية بأنه مادة مخدرة منذ العام ,1973

تمثل نسبة الإصابة بسرطان الحنجرة والبلعوم %30 مقارنة بكافة أنواع السرطان وهي نسبة تصل إلى ضعفي المعدل العالمي لهذا النوع من السرطان وفي ذلك يعود السبب إلى تناول القات والذي يتم "غمره" بكميات هائلة من المبيدات الحشرية بحيث يجعل هذه المبيدات عنصرا اساسيا في وجبة القات. هذا الضغط الكبير من حالات السرطان ينهك البنية التحتية للرعاية الصحية في اليمن وخاصة المستشفيات والأسرة والأدوية والتي تصل إلى حوالي 400 حالة شهريا حسب بيانات صادرة عن منظمة غير حكومية مختصة بالرعاية الصحية في دولة لا يوجد فيها إلا مركز واحد مخصص لرعاية مرضى السرطان.

كل هذا وضع مؤسف ومحزن ، فاليمن تمتلك مخزونا هائلا من الموارد الطبيعية والتي يمكن في حال استثمارها بطريقة إنتاجية ومستدامة أن تحقق مردودا اقتصاديا كبيرا يكفي لحوالي 23 مليون نسمة من سكان اليمن ولكن عادة تناول القات هي السبب الرئيسي في تعطيل الإنتاجية الحقيقية في اليمن ، ومع كل الجهود التي تبذلها الحكومة والمنظمات المختصة فإنها لا زالت غير قادرة على تجاوز الحاجز الثقافي والاجتماعي الذي يدعم عادة تناول القات ويعتبرها جزءا لا يتجزأ من الهوية الثقافية لليمن ، ولكن هذا الأمر بحاجة ماسة إلى التغيير حتى يتمكن الشعب اليمني الشقيق من استنهاض نسبة عالية من طاقته ويقلص من الكلفة الاقتصادية والصحية والمائية والبيئية الهائلة لزراعة واستهلاك القات.


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة  باتر محمد علي وردم   جريدة الدستور