قال المهاتما غاندي يوما أن الفارق ما بين ما يقوم به الناس فعليا ، وما يستطيعون القيام به يكفي لحل كل مشاكل التنمية في العالم ، وهذا الأمر ينطبق ايضا على المستوى الوطني ، فلو تمكن كل شخص في موقعه من انجاز القفزة النوعية ما بين ما يقوم به وما بين امكاناته الفعلية لتحقق تقدم كبير في مستويات الانجاز في كافة المجالات ولكان الأردن بلدا أفضل.
تراجع ترتيب الأردن في تقرير التنافسية الدولية الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي هو مؤشر انذار يعكس حالة من تراجع الأداء في عدة قطاعات في السنوات القليلة الماضية ، وقد جاء قرار رئيس الوزراء مصيبا في دراسة وتقييم اسباب التراجع الذي وصل الى 15 مرتبة في سنة واحدة ، آملين أن تكون اللجنة التي تم تشكيلها قادرة على الوصول الى الاستنتاجات الصحيحة وبالتالي تقديم التوصيات الصريحة وغير المنمقة.
الأمر لا يتعلق فقط بتقرير صادر عن منظمة اقتصادية معروفة ومؤثرة في الخيارات الاستثمارية الدولية ، ولكننا بحاجة الى تبني نظام المراجعة والتقييم للأداء وخاصة نوعية العمل بشكل يتجاوز كثيرا الأرقام والنسب المئوية للانجاز والتي تعتمد عليها التقارير التقييمية الرسمية والدولية ايضا وهي التي تشير عادة الى النجاح في انفاق المخصصات المالية للبرامج والمشاريع ، ونحن بارعون في ذلك بدلا من مراجعة النوعية ، ولهذا فان مراجعة تقرير التنافسية وخاصة المؤشرات الشمولية والتفصيلية الواردة فيه تبدو نقطة انطلاق مناسبة لمراجعة الأداء الوطني ليس فقط من قبل القطاع العام بل القطاع الخاص والمدني في مجالات التنمية البشرية ، والنمو الاقتصادي وهو أداء يرتبط عادة بنوعية القرارات التي يتم اتخاذها على المستوى الاداري الأعلى.
يعتمد التقرير على تعريف التنافسية بأنها "منظومة المؤسسات والسياسات والعوامل التي تحدد مدى انتاجية الدولية" وهو بالتالي تعريف أوسع بكثير من مصطلح التنافسية الذي قد يعني القدرة على جذب الاستثمار ، فهذا السياق من التحليل يتعلق بكل مقومات الأداء مؤسسيا وفرديا وتشريعيا والذي يجعل دولة ما أكثر تفوقا من غيرها في الانتاج والذي يعني مستويات أعلى من الدخل للمواطنين. وفي التحليل التفصيلي يوجد 12 معيارا (تسمى أعمدة pillars) للتنافسية يتم قياس وتقييم الدول على اساسها.
وقد صنف التقرير الأردن في المرحلة الثانية من التطور (وهي المرحلة الوسطى) وهي تضم دولا مثل لبنان والمكسيك ورومانيا وروسيا وجنوب افريقيا وتونس وتركيا ، وجاء ترتيب الأردن في المركز 65 متراجعا عن موقعه السابق وهو المركز 50 وهو يشكل للأسف أكبر نسبة تراجع بين كافة الدول في التقرير ، وجاءت سلوفاكيا بعد الأردن بتراجع 13 مرتبة وهذا ما يجعل الحاجة ماسة الى استشعار اسباب التراجع ومعالجتها.
على المستوى الاقليمي جاءت ثلاث دول من الخليج في المقدمة وهي حسب الترتيب قطر (17) وبعدها السعودية (21) وكلتاهما تفوقت على اسرائيل (24) ثم الامارات (25) ، بينما حققت تونس الاختراق الأول من خارج منطقة الخليج (32) ثم عمان (34) فالكويت (35) والبحرين (37) وكلها تفوقت على دول كبرى مثل اسبانيا (42) وايطاليا (48) والبرازيل (58) وتركيا (61) وروسيا (63) وتلتها الأردن (65) متفوقة على ايران (69) ثم المغرب (75) ومصر (81) وبعدها الجزائر (86) وبعدها لبنان (92) وسوريا (97) وليبيا (100).
اذا اعتبرنا الرقم 65 معدلا فان الأردن حقق نتائج جيدة (أقل من 65 في ترتيب الدول) في مؤشرات نوعية المؤسسات والبنية التحتية والتعليم العالي وكفاءة الأسواق وتطور السوق المالي والجاهزية التكنولوجية وحصل الأردن على نتائج سلبية في مؤشرات بيئة الاقتصاد الكلي والصحة والتعليم الأساسيين وكفاءة القوى العاملة وحجم السوق ومستوى الابداع وتنوع قطاع الأعمال.
من الواضح أن هنالك مؤشرات يمكن بل ويجب العمل على تحسينها مثل الاقتصاد الكلي وكفاءة القوى العاملة والابداع وهنالك مؤشرات من الصعب التحكم بها مثل حجم السوق والتي ترتبط بحجم الدولة وعدد سكانها ومستهلكيها أو مؤشر يعتمد على عوامل توفر الموارد مثل تنوع قطاع الأعمال ، ولكن أية دراسة وتقييم متعمق لهذه المؤشرات وتفاصيلها يمكن أن تخرج بتوصيات صريحة وتستجيب لمكامن الخلل الحقيقية بدون مجاملة أو تغطية للحقائق.
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة باتر محمد علي وردم جريدة الدستور