تقتضي طبيعة عمل بعض المؤسسات العامة إنتاج البيانات والمعلومات وتقديمها لمؤسسات الدولة الأخرى والجامعات ومراكز البحث العلمي وغيرها ، ومن هذه المؤسسات المركز الجغرافي الملكي ودائرة الإحصاءات العامة ودائرة الأرصاد الجوية ودائرة الأراضي والمساحة وغيرها. يعمل في هذه المؤسسات المئات من الخبراء الفنيين إضافة إلى الإداريين ولها موازنات مخصصة من قبل الحكومة لغايات العمل والإنتاج. ولكن هذه المؤسسات تقوم ايضا وهذا حق لها ببيع البيانات وتحديد أسعار لها وذلك لزيادة العوائد المالية وتحقيق الاستفادة القصوى من ساعات العمل والإنتاج من قبل الموظفين وتقديم الحوافز المالية والمهنية لهم ، خاصة أن البيانات أصبحت بمثابة رأسمال في الاقتصاد المعرفي.

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو عن آلية تحديد اسعار هذه الخدمات والبيانات عندما يتم بيعها من قبل المؤسسة المنتجة للبيانات إلى مؤسسات عامة أخرى وخاصة الوزارات التي تحتاجها لأغراض التخطيط وتنفيذ المشاريع بطريقة صحيحة ، حيث توجد في بعض الاحيان مبالغة في الأسعار وشروط تعجيزية ، فقد قامت إحدى المؤسسات العامة المنتجة للبيانات بتحديد سعر بعشرات آلاف الدنانير لمجموعة بيانات تعتبر من أساسيات عمل هذه المؤسسة ويتم إنتاجها بشكل دائم ، مع شرط آخر بعدم استخدام اية بيانات سابقة تم شراؤها من نفس المؤسسة. وهذا منطق غريب يعتمد على الاحتكار وعلى استنزاف موارد مالية مشتركة للحكومة يمكن أن يتم الحفاظ عليها بالشكل المناسب وتقديم هذه البيانات باسعار ملائمة مع حق الاستخدام المتكرر من قبل المؤسسة المشترية. وفي المقابل تقوم مؤسسات أخرى بإظهار مرونة عالية في تزويد البيانات إما مجانا أو باسعار رمزية ولكن أحيانا بطريقة انتقائية حسب العلاقات الشخصية مع الجهة المشترية.

في مواجهة هذا الأمر بدأت بعض المؤسات باللجوء إلى بيانات خارجية وحتى من قبل المنظمات غير الحكومية والقطاع الخاص والمنظمات الدولية للحصول على معلومات قد لا تكون مكتملة وربما تؤثر بشكل جذري على حسن اختيار أدوات ومناهج العمل وقرارات التنفيذ وخاصة في المشاريع التي تتطلب كلفة رأسمالية عالية وبيانات فنية دقيقة.

يبدو أن هنالك حاجة لإصدار تعليمات خاصة من قبل الحكومة ، وربما رئاسة الوزراء بشكل مباشر لتحديد آلية لإدارة وشراء وتحديد أسعار خاصة للبيانات التي يتم شراؤها من قبل الوزارات والمؤسسات العامة بحيث تكون منظمة مؤسسيا وماليا وغير خاضعة للأهواء أو الأمزجة أو الخيارات الانتقائية وتكون سهلة التنفيذ ولا تتطلب تبادلا طويلا للمراسلات ولا الموافقات العليا مع منح الجهة المشترية الحق الدائم في استخدام هذه البيانات وعدم اقتصارها على استخدام واحد. وبنفس الوقت من المهم أن تكون ملكية المعلومة لدى الجهة المشترية محددة وطريقة إدارتها واضحة بحيث لا تتم "إعادة بيعها" من قبل موظفين إلى القطاع الخاص أو المؤسسات الدولية.


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة  باتر محمد علي وردم   جريدة الدستور