تمثل انتخابات نصف المدة لمجلسي النواب والشيوخ في الولايات المتحدة والتي أجريت قبل ايام نموذجا مثاليا لأفضل وأسوأ ما تحمله الديمقراطية ، كنظام حكم سياسي من صفات ومن المفيد أن نحاول القاء الضوء على هذه الخصائص.
منحت الانتخابات الشعب الأميركي خيارا مفتوحا للتعبير عن رغبته في تغيير بعض من سياسات الرئيس أوباما حتى بعد سنتين فقط من ذلك المد الهائل الذي شهدته المدن الأميركية في دعم المرشح الديمقراطي من أصل افريقي والذي أحدث ثورة حقيقية في منهجية التفكير والقناعات وحمل وعودا كبيرة للناخب الأميركي. ويشير بعض المراقبين السياسيين الأميركيين بأن هذه الوعود هي بالذات التي أثرت سلبيا على أوباما فقد زاد من سقف التوقعات واذ به يصطدم منذ اليوم الأول بالتركة الكارثية للاقتصاد الأميركي من ثماني سنوات من الحكم الجمهوري والأزمة الكبيرة التي ظهرت في نهاية العام 2007 والتي أضطر أوباما الى ادارتها وبصعوبة كبيرة. ومع أن هذه الازمة منحت أوباما الكثير من الأصوات الغاضبة من سياسات الجمهوريين الاقتصادية فهي ايضا كانت السبب في احباط الناخبين الأميركيين بسبب ما اعتبروه "عدم نجاح" في تجاوز الأزمة بالرغم من القرارات الهامة التي اتخذها أوباما والتي كان يمكن بدونها أن تكون الأمور أكثر سوءا. ولكن ، وفي يوم الانتخابات قدم الأميركيون رسالة تحذير شديدة اللهجة للرئيس أوباما بضرورة بذل المزيد من الجهد في تجاوز الأزمات الداخلية في السنتين القادمتين من ولايته ، والا سيكون من الصعب جدا تحقيق النجاح في الانتخابات القادمة. وقد أظهرت استطلاعات الرأي أن أكثر القضايا التي شعر الأميركيون بعدم الرضا تجاهها هي سياسات أوباما تجاه الأزمة المالية والهجرة (يعتبرونه متساهلا) والضمان الاجتماعي وحقوق الشواذ (كثير منهم صوت لصالح أوباما في الانتخابات الرئاسية وغضب بعد ذلك لعدم قيام الرئيس بدعمهم كما وعد) والضرائب وأخيرا حرب أفغانستان. وبالمقابل شعر الأميركيون براحة تجاه سياسات أوباما في ثلاث قضايا فقط وهي الحرب في العراق والبيئة وقانون الرعاية الصحية (مع أنه حظي ايضا بنقد من قبل اليساريين الذين أرادوا المزيد وأصحاب الشركات الطبية الذين يؤمنون بأنهم قد تحملوا عبئا جديدا).
أما اسوأ ما في الديمقراطية فقد ظهر من خلال التقدم السريع لحزب الشاي الشعبوي المتطرف بقيادة سارة بيلين والذي يظهر عداء شديدا للأميركيين المسلمين واليساريين والسود ويطالب بالمزيد من التضييق في سياسات الهجرة ومزيدا من القمع في مكافحة الارهاب ، وهو ما أثبت مرة أخرى ما اكتشفه أفلاطون من مثالب في الديمقراطية منذ حولي 2500 سنة وهي منح قوة مضافة للرعاع من أصحاب الأفكار والآراء المتطرفة والذين يقودهم خطباء يعبثون بعواطفهم البدائية ، وهي حالة تكررت خلال التاريخ عدة مرات والآن تظهر أيضا في الولايات المتحدة حيث استثمر الخطباء الشعبويين لحزب الشاي عدم الرضا الشعبي من سياسات اقتصادية وحولوها لهجوم شخصي على أوباما وأصوله العرقية والدينية واثارة مخاوف الأميركيين منه مما ساهم في منح هذا الحزب عدة مقاعد مؤثرة في مجلس النواب وبالتالي المزيد من القوة قبل الانتخابات الرئاسية وايضا امكانية تعطيل نسبة كبيرة جدا من القوانين والسياسات الاصلاحية لأوباما وجعل الرئيس شبه عاجز سياسيا لمدة سنتين قبل الانتخابات الرئاسية.
ومع كل المثالب تبقى الديمقراطية هي النظام الأمثل الذي يمنح للناخبين فرصة التغيير ، ربما نحو الأسوأ أحيانا ولكنهم يتحملون نتائج هذه التحولات والتي لا تفرض عليهم بقرار سلطوي يمر بدون نقاش.
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة باتر محمد علي وردم جريدة الدستور