يشكل خطاب العرش الملكي السامي مناسبة استثنائية لعرض أطر وتفاصيل الرؤية الملكية تجاه المستجدات المحلية والعربية والدولية أمام كافة أعضاء النخبة السياسية الأردنية من حكومة ومجلس أمة والشخصيات السياسية والاجتماعية المحورية التي تشارك في إفتتاح المجلس. وفي هذا العام كانت الأهمية مضاعفة نظرا لتطلع جميع المراقبين لمعرفة الرسالة التي سيوجهها الملك لكافة أطراف المعادلة السياسية الأردنية بعد قرار حل مجلس النواب السابق.
في البداية لا بد من القول بأن مؤسسة العرش هي المكون الأكثر إيمانا بالديمقراطية من بين كل المكونات السياسية الأخرى في الأردن ، فكل هذه الجهات أبدت نزعة واضحة في ضيق الصدر من الرأي الآخر واتهام المخالفين لها بكل أنواع التهم والإنجرار وراء مناكفات لا تخدم المصلحة العامة.
جلالة الملك لم يقم بفرض قناعاته السياسية والاقتصادية على الساحة السياسية الأردنية وأعطى مجالا واسعا من الحرية لتطور ونشوء الآراء السياسية المختلفة وترك المجال لديناميكية الحوار أن تأخذ مجراها بين مختلف الجهات ولم يبد يوما أي انحياز واضح لجهة ضد أخرى. ولكنه في نفس الوقت كان يسعى جاهدا لنشر آرائه الإصلاحية بكل الوسائل الديمقراطية في داخل الأردن وخارجه ، ويساهم في بناء ودعم المؤسسات والمنابر المستدامة التي تسهم في التحول نحو الإصلاح بالطريقة الديمقراطية.
مضمون خطاب العرش وجه رسائل واضحة إلى جميع الأطراف بأن هنالك ضرورة ملحة لمراجعة مسيرة الإصلاح لتعظيم الإنجاز ، ومعالجة مظاهر الخطأ أو التقصير كما أن التقدم في مسيرة الإصلاح ليست مسؤولية سلطـة دون أخرى ، وإنما هي مسؤولية جماعية. وقد اشار الملك بوضوح إلى أن "علاقة السلطتين التنفيذية والتشريعية قد شابها الكثير من الأخطاء ، التي أعاقت مسيرتنا الإصلاحية ، وألحقت الضرر بمصالح شعبنا ، وتلك أخطاء يجب أن يعمل الجميع على إزالتها. فللسلطة التشريعية دور محوري كفلـه الدستور ، ولا نقبل أن يتراجع دور مجلس النواب ، أو أن تهتز صورته عند المواطنيـن." وفي إستعادة وتكرار لمضمون كتاب التكليف السامي لحكومة السيد سمير الرفاعي الأولى ، وبعد حل مجلس النواب فورا قال جلالة الملك في خطاب العرش"على السلطة التشريعية أن تعيد تقييم آليات تعاملها مع مجلس النواب لتصحيح علاقة السلطتين ، بحيث تقوم على التعاون والتكامل ، وبحيث تمارس كل منهما صلاحياتها ، من دون تغول سلطة على أخرى ، أو اللجوء إلى تفاهمات مصلحية ، تجعل من تحقيق المكتسبات الشخصية شرطا لاستقرار هذه العلاقة. ولضمان تلافي أخطاء الماضي ، لا بد من التوافق بين السلطتين على آلية عمل ملزمة ، توضح الأسس التي تحكم تعامل الحكومة مع أعضاء مجلس النواب ، وفـق الدستـور والقانون"
في هذا الصدد هناك مسؤولية كبرى ملقاة حاليا على عاتق الحكومة والنواب والأحزاب والنقابات ووسائل الإعلام والقطاع الخاص والقطاع المدني ، فكل هذه الجهات لها دور منهجي كبير في عملية الإصلاح ، ولكن المسؤولية الأساسية هي على مجلس النواب والذي يجب أن يستعيد دوره الدستوري التشريعي النزيه بعيدا عن مظاهر الخلل السابقة والتي تمثلت في تقديم المصالح الشخصية على المصالح العامة كما شعر بذلك كل مواطن أردني.
علينا جميعا أن نتعلم درسا مهما من جلالته وهو احترام الرأي الآخر والعمل من أجل المصلحة الوطنية. إذا كان رأس الدولة الأردنية الذي يمتلك كل الصلاحيات الدستورية قد امتنع: نتيجة لايمان حقيقي بالديمقراطية عن اتهام الجهات التي تحاول عرقلة مسيرة الإصلاح والتوافق الوطني ، فإنه من باب أولى على الحكومة والنواب والأحزاب والإعلام والنقابات وغيرها من المؤسسات أن ترتقي إلى مستوى الأخلاقيات الديمقراطية لدى جلالة الملك وتمتنع عن كيل الاتهامات لبعضها البعض وللبرنامج الإصلاحي ، وتعمل على تسهيل الحوار الوطني المسؤول الذي يهدف إلى تحقيق المصلحة العامة بعيدا عن الآراء الضيقة المسبقة التي لا تتقبل النقد.
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة باتر محمد علي وردم جريدة الدستور