لا بد في بداية هذا المقال من توجيه الشكر والتحية لكل من ساهم يوم أمس في نجاح المعادلة الوطنية المطلوبة في السماح بحرية التعبير عن الرأي وحماية الممتلكات العامة والخاصة وتحريم اللجوء للعنف. الشكر موصول لمنظمي المسيرات والحكومة والأجهزة الأمنية المختلفة للتعامل الحكيم مع النشاطات الجماهيرية التي تمت يوم أمس ، لأنه في نهاية الامر وصلت الرسالة المطلوبة من قبل المجتمع الأردني ولم تخسر لا الحكومة ولا المعارضة بل أن الرابح الأكبر كان هو الأردن.

من خسر يوم أمس هي الفئة القليلة التي راهنت على تحويل الأردن إلى حكاية تتناقلها وسائل الإعلام العربية والعالمية وأن تستغل مشاعر المواطنين لفتح أبواب الشغب والتخريب والإساءة إلى البلد ، وهذه الفئة ربما تكون الآن قد أدركت ضآلة حجمها أمام وعي ونضوج المجتمع الأردني الذي يضع المصلحة الوطنية في المقام الأعلى ويعبر عن رأية بطريقة حضارية تجعلنا جميعا في هذا البلد نفخر بكوننا حالة إيجابية في المنطقة في كيفية إدارة الأزمات السياسية والاقتصادية والتي قد تهز أسس دول أخرى ، حتى بعض الدول العريقة وذات الاقتصادات المتطورة في أوروبا وآسيا.

ما نقوله ليس تبجحا بل ثقة كبيرة بوعي المواطن الأردني وثقة نسبية بمسار الإصلاح السياسي ولكن المطلوب الآن هو إجراء مراجعة سريعة واتخاذ إجراءات جذرية وفعالة على الصعيد الاقتصادي بالذات لكي يتمكن الأردن من تجاوز سنة صعبة بدأت تظهر فيها آثار الأزمة الاقتصادية العالمية السابقة والتخوف من الأزمات اللاحقة إضافة إلى النتائج القاسية لسياسات وقف الهدر والتبذير في المال العام والتي تم ممارستها في السنوات الماضية.

إدراك القيادة العليا في الأردن لحقيقة الوضع الاقتصادي وانعكاساته على الأمن الاجتماعي من خلال وجود قنوات اتصال مفتوحة ودائمة مع المؤسسات الاجتماعية والرأي العام الأردني ساهم بشكل كبير في إدارة الأزمة بالطريقة الصحيحة ، كما أن الإعلان المسبق قبل أسبوع عن تنظيم المسيرات ساهم في منح المجال للحكومة للتفكير بإجراءات سريعة كخطوة أولى لإعلان النوايا الحسنة والتهيئة لحوار وطني مسؤول حول السياسات والخيارات الاقتصادية المتاحة.

مطلوب الآن مزيد من الإنفتاح في التعبير عن الرأي في وسائل الإعلام وخاصة اليومية منها ، وارتقاء مجلس النواب إلى مستوى أعلى من أداء دوري المراقبة والتشريع وخاصة عن طريق ضمان الإنسجام بين القول والفعل وهذا من شأنه أن يعزز من ثقة الرأي العام بمجلس النواب ووسائل الإعلام كأدوات لإيصال الموقف الشعبي للحكومة ، كما أن استمرار الاستجابة الحكومية السريعة لاتجاهات الرأي العام جزء اساسي في حسن الإدارة العامة للدولة.

إنتصر الجميع يوم أمس للمصلحة العامة وأمن الوطن والتعبير الحضاري السلمي ولكن هذه هي مجرد البداية لشراكة حكومية - نيابية - إعلامية - اجتماعية للبحث عن خيارات مستدامة وقرارات صحيحة ذات بعد اجتماعي واقتصادي مسؤول لإدارة الاقتصاد الأردني بما لا يؤدي إلى ترحيل الأزمات بحيث ندفع كلفتها مضاعفة في السنوات القادمة ، أو نترك إرثا ثقيلا لأبنائنا قد لا يستطيعون التكيف معه.


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة  باتر محمد علي وردم   جريدة الدستور