ليست هذه هي المرة الأولى التي يمر فيها الأردن بمرحلة يحتاج فيها إلى مراجعة سياسية واقتصادية ، فقد مرت على الأردن عدة ظروف تطلبت إعادة النظر في الكثير من السياسات المعمول بها ، وخاصة بهدف تحقيق المزيد من التقدم في مسيرة التنمية وتخفيف حدة الضغوطات الداخلية والخارجية. وما حدث في الأسابيع الأخيرة كان أمرا استثنائيا من ناحية التسارع وظهور أنماط جديدة من المعارضة للسياسات الراهنة والحراك الساخن في الشارع العربي والذي من الواضح أن قابل للانتشار السريع ، وهذا ما تطلب الحاجة إلى إجراءات فعالة من قبل الدولة لتلافي الآثار السلبية التي يمكن أن تتسبب في عدم استقرار الدولة نتيجة الظروف الاقتصادية والسياسية وخاصة ارتفاع الأسعار والمطالب المستمرة بالإصلاح السياسي ومكافحة الفساد.

في دول مغلقة لا تتواجد فيها قنوات الاتصال بين القيادة وممثلي القوى السياسية والمجتمع من الطبيعي أن تصل الأوضاع إلى حد الاحتقان الانفجاري ويصبح الشارع هو المكان الوحيد للتعبير عن الرأي وتصبح المواجهات مع رموز الدولة من أجهزة أمنية وممتلكات عامة هي النمط السائد. ولكن هذه الصورة النمطية لا تعني أنها يجب أن تحدث في كل الحالات ، وما شهده الأردن في الأيام الماضية دليل عافية ومؤشر واضح على عدم انقطاع أدوات التواصل بين الدولة والمجتمع.

الدعوة إلى الإصلاح في الأردن لم تبدأ قبل أسابيع ونتيجة لما حدث في تونس ومصر بل هي مطلب من رأس الدولة ومن القوى السياسية منذ عدة سنوات ، وقد كانت هنالك محاولة فريدة من نوعها في العالم العربي وفي منتهى الجدية لرسم خطة للإصلاح في الأردن منذ العام 2005 وعن طريق الأجندة الوطنية والتي تم تجميدها من قبل القوى المناهضة للإصلاح ، والتي توزعت على عدة قطاعت سواء في الحكومة أو المجموعات ذات النفوذ أو حتى بعض الاحزاب السياسية والمؤسسات الشعبية التي لم تعجبها توصيات الأجندة الوطنية. محاولات الإصلاح استمرت من خلال عدة حكومات استقبلت جميعا مطالب الملك في تحقيق الإصلاح من خلال كتب التكليف المختلفة ولكن الاستجابة كانت ضعيفة أو حتى مناقضة احيانا للتوجهات الملكية حتى وصلنا إلى هذه الحال.

ولكن الأمر المتميز في الأردن هو دائما وجود قنوات التواصل المباشرة بين الملك والقوى السياسية مما يضمن عدم انسداد أفق الحوار وعدم الإنزلاق إلى مظاهر المواجهة وعدم الاستقرار. النموذج الأفضل على ذلك هو اللقاء الصريح الذي جمع الملك مع قيادات جبهة العمل الإسلامي والأخوان المسلمين والذي قدم فيه الملك رؤيته لمسيرة الإصلاح وأهم المضامين التي يجب أن تحتوي عليها نتائج الإصلاح إضافة إلى العوامل التي تعيقه ، حيث أكد الملك بأن الجميع شركاء في هذا الجهد وأن هنالك جدية في تحقيق الإصلاح وهذا ما سيظهر قريبا في خطوات ملموسة.

الحفاظ على هذه المعادلة المتوازنة من الانفتاح السياسي والحوار المستمر هو الضمانة الأسساية لاستقرار الأردن وللمضي في طريق الإصلاح والذي لن يكون سهلا ولا مفروشا بالورود بل أن هنالك عدة عقبات سيتم مواجهتها سواء أكانت نتيجة لممانعة الكثير من القوى السياسية للتغيير أو بسبب الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الخارجية والداخلية والتي ستجعل التحديات أكثر صعوبة في الأسابيع المقبلة.


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة  باتر محمد علي وردم   جريدة الدستور