من الواضح أننا بحاجة للوصول إلى توافق على الأهداف والأدوات والملامح الأساسية للإصلاح السياسي المنشود وبشكل سريع وواضح لأن الأيام الماضية بدأت تشهد نوعا من التشتت في طرح مفاهيم سياسية وأهداف اقتصادية وطموحات اجتماعية وكلها يتم تصنيفها تحت مسمى الإصلاح. وفي حال استمر هذا الطرح العشوائي للمطالب فإن وقتا طويلا سوف يضيع ونحن ندور في حلقة مفرغة بدون تأسيس لخارطة طريق واضحة نحو الإصلاح.
ومن المهم التذكير مرة أخرى بأن الإصلاح السياسي ليس وليد الشهر الماضي بل هو مطروح على الساحة السياسية الأردنية منذ عدة سنوات وكانت أهم محاولة للمضي قدما في هذا الإصلاح الشامل هي الأجندة الوطنية والتي تعرضت إلى هجوم كبير من نسبة عالية من السياسيين الأردنيين ما بين العامين 2005 - 2006 ومن المفارقة أن البعض من أشد معارضي الأجندة الوطنية في ذلك الوقت يقدم الآن آراء تنادي بضرورة تسريع الإصلاح وتلوم التأخير الذي حدث في السنوات الماضية،
دعونا نتذكر أن الأجندة الوطنية قدمت عدة مبادرات في إطار الإصلاح السياسي وخاصة في محاور التنمية السياسية والمشاركة الشعبية وتطوير الإعلام والقضاء ودعم الحريات العامة. ولكن تطبيق هذه المبادرات كان شبه متوقف لأن البرامج التنفيذية للحكومات المختلفة 2007 - 2010 - - 2013 اعتمدت على كافة الفصول الواردة في الأجندة الوطنية باستثناء محور التنمية السياسية والمشاركة والتي تم إسقاطها من البرنامج التنفيذي تماما. وبما أن الاجندة الوطنية لم تحصل على "التزام" من مجلس النواب والمجتمع المدني والقوى السياسية الأخرى فقد انتهى العمل بها قبل أن يبدأ.
ما يحدث الآن هو انطلاق سلسلة من الأفكار والآراء المستندة إلى ضرورة إصلاح مظاهر الخلل التي حدثت في السياسات العامة في السنوات الأخيرة وأهمها التأثير على نتائج الانتخابات النيابية والبلدية ، والتضييق على حرية الإعلام والاجتماعات العامة وتفاقم حالات الفساد وبيع أصول الدولة بدون شفافية ومشاركة شعبية وتوسع الهوة ما بين المسؤول والمواطن في عدة قطاعات سياسية وخدماتية إضافة إلى تراجع الظروف الاقتصادية للمواطنين. كل هذا اسهم في ظهور الحركات الاحتجاجية التي قادت المسيرات الشعبية والتي تبعتها أحزاب المعارضة وحاولت تطوير بعض ملامح من مطالب الإصلاح السياسي ومنها التحول نحو الحكومات المنتخبة ، وتعديل قانون الانتخاب لتحسين التمثيل النيابي ومكافحة الفساد وتعزيز المساءلة والمحاسبة والتحول التدريجي نحو ما يسمى "اقتصاد السوق الاجتماعي" وضبط الأسعار وغيرها.
في خطابه أمام أعضاء السلطات الثلاث قدم الملك عبد الله الثاني تصوره للإصلاح السياسي والذي ينادي به منذ سنوات ولكن لم يقبل بأن يفرض هذه الرؤية بدون وجود توافق وحوار وطني يجعل هذه الإصلاحات ناجمة عن قناعة شعبية والتزام من القوى السياسية والاجتماعية المختلفة. رؤية الملك للإصلاح تتمثل في النقاط التالية:
- - تطوير كل القوانين الناظمة للعمل السياسي والمدني ، وخصوصا قانون الانتخاب ، الذي يجب أن يتم التوافق عليه ،
- - تشجيع العمل السياسي الجماعي والحزبي ، وزيادة مشاركة المواطنين في صناعة مستقبلهم ، حتى يكون التنافس في الانتخابات على أساس البرامج ،
- - تشكيل الحكومات لاحقا ، على أساس حزبي ، وبناءً على ما تقدمه الأحزاب من برامج عمل واضحة.
وفي مسار تنفيذ هذه المراحل يشدد الملك على مبدأين أساسيين يشكلان وجهين لعملة واحدة وهما الالتزام بسياسة التسامح والانفتاح والحوار من جهة ، ولكن مع الرفض القطعي لبث الفرقة والفتنة والإساءة إلى صورة البلد ومنجزاته.
الملك طرح في خطابه مبادئ ومحاور عامة ولم يتطرق إلى التفاصيل التي هي من شأن السلطات الثلاث وقوى المجتمع السياسية والاجتماعية والتي تتحمل المسؤولية في تطوير بيئة ملائمة للحوار الجدي وطرح الأفكار الخلاقة والوصول إلى التوافق حولها حتى نعرف جميعا ماذا نعني بالإصلاح ولا نتوجه في مسارات متناقضة وعشوائية أو نترك الساحة لأصحاب الصوت العالي بينما تبقى الأغلبية في قاعة الانتظار،
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة باتر محمد علي وردم جريدة الدستور