التحليل التوليفي
التحليل التوليفي combinatorial analysis هو ذلك العلم الذي يدرس المسائل التي تنجم عن السؤال: بكم طريقة يمكن إنجاز عملية ما، خاضعة لشروط محدّدة؟ ففي مجال الكيمياء يكون السؤال مثلاً: بكم طريقة يمكن أن يتّحد عدد معين من ذرّات الهدروجين مع عدد آخر من ذرات الفحم ضمن شروط مُحَدَّدة؟
وفي مجال الفيزياء يكون السؤال: بكم طريقة يمكن إجراء توصيلات كهربائية بين مجموعة من المفاتيح ومجموعة من المصابيح؟
وغالباً ما يؤول كثير من هذه المسائل إلى بعض النماذج الرياضية التي تُسَهِّل الإجابة عن هذه الأسئلة المعقّدة.
ويمكن البدء بسؤال بسيط: كم عدد الكلمات المختلفة التي يمكن تشكيلها من مجموعة الحروف (ح، ل، م)؟
يمكن الإجابة بسهولة عن هذا السؤال، وكتابة الكلمات التي يمكن تشكيلها وهي ست كلمات مختلفة:
حلم، حمل، لحم، لمح، ملح، محل
ولكن لو تمّ إنعام النظر والتدقيق في هذا السؤال لَمَا تمّ التوقف عند هذه الإجابة ولتطلّب الأمر صياغة أكثر دقة لهذا السؤال، ولإيضاح ذلك يُنظر في التساؤلات الآتية:
1ـ هل تدخل الكلمات حل، لم، مل في عداد الكلمات التي يمكن تشكيلها من مجموعة الحروف المحددة؟
2ـ هل تدخل الكلمات حلل، لملم، حمم، في عداد الكلمات التي يمكن تشكيلها من مجموعة الحروف المحددة؟
3ـ هل تدخل الكلمات محلل، محلحل، محمل في عداد الكلمات التي يمكن تشكيلها من مجموعة الحروف المحددة؟
4ـ هل تدخل الكلمات حَمَلْ، حِمْلْ، حَمَّلَ، حَمَلَ، حُمِّلَ، في عداد الكلمات التي يمكن تشكيلها من مجموعة الحروف المحددة؟
تبين كل هذه التساؤلات أنه يجب أن تكون هناك قاعدة أو عدّة قواعد واضحة تماماً يجرب على أساسها الإجابة الدقيقة عن جميع هذه التساؤلات على نحو لا يحتمل اللَّبس أو التأويل. فلو كانت القاعدة هي عدم الاقتصار على حرفين من مجموعة الحروف عند تكوين الكلمات، لوجب صياغة السؤال المطروح على النحو الآتي: كم عدد الكلمات المختلفة التي يمكن تشكيلها من جميع حروف المجموعة (ل، ح، م)؟ هذا يعني أن حل، لم، مل، حلل، لملم، حمم لا تدخل في عداد الكلمات المقصودة بالسؤال. وإذا كانت القاعدة عدم السماح بتكرار حرف من حروف المجموعة (ل، ح، م)، وَجَبَ ذكر ذلك في نص السؤال المطروح، وعندئذٍ لا تدخل الكلمات محلل، محلحل، محمل، في عداد الكلمات المقصودة بالسؤال.
ولكن ماذا عن الكلمات حَمَلْ، حِمْلْ، .......؟ هل هذه الكلمات مختلفة أصلاً؟ بمعنى هل تعد الكلمة مختلفة عن كلمة أخرى إذا اختلفت حركات حروفها؟ أم أن الشكل لا يؤخذ في الحسبان؟
لابد إذن من اعتماد قاعدة يجري في ضوئها تحديد كون الكلمة مختلفة عن الأخرى، فإذا لم يؤخذ التشكيل هنا في الحسبان فإن الكلمات حَمَلْ، حِمْلْ، حَمَّلَ،....... غير مختلفة وتمثلها كلمة واحدة بدون شَكْل هي (حمل). ويجري أحياناً تحديد الاختلاف أو عدمه بين كلمتين بحسب الحروف الداخلة في تكوين الكلمتين، إذ يمكن أن لا تعدّ الكلمتان مختلفتين إلا إذا اختلف حرف أو أكثر من الحروف الداخلة في تكوينهما، وهكذا، ووفقاً لهذه القاعدة، فإن الكلمات حلم، ملح، لحم، محل، لمح، محلل، ملمح، مملح،..... ليست مختلفة وتمثلها كلمة واحدة هي مثلاً: ملح، ويكون عدد الكلمات المختلفة التي يمكن تشكيلها من الحروف [ح، ل، م] يساوي الواحد.
أما إذا كان السؤال: ما عدد الكلمات المختلفة التي يمكن تشكيلها من حرفين فقط من المجموعة {ح، ل، م}؟ فإنه في هذه الحالة أيضاً لابد من تحديد قاعدة تمكننا من الحكم على كلمتين بأنهما مختلفتان أو متشابهتان، كما لابد من التصريح بالسماح بتكرار الحرف أو عدمه.
وخلاصة القول فإن أحد أهم مهام التحليل التوليفي، هو البحث عن حل للمشكلة الآتية: لتكن مجموعة مؤلفة من ن عنصراً مختلفاً، ما عدد الكلمات التي يمكن توليفها من ر عنصراً منها، بفرض ر ≤ ن.
عند الإجابة عن هذا السؤال تظهر حالات متعدِّدة تنتج عن السماح بتكرار العنصر أو عدمه، وبالتعريف الدقيق لاختلاف كلمة عن أخرى.
ملاحظة: مع أن العناصر المختلفة التي يراد استخدامها ليست بالضرورة حروفاً، فقد جرت المحافظة على الكلمة (كلمة) للدلالة على المجموعة التي يجري تأليفها من هذه العناصر. وهكذا لو كانت العناصر المستخدمة هي المجموعة {أزرق، أحمر، أصفر، أبيض} فإن التشكيل (أزرق، أحمر، أصفر) كلمة، كما يسمى التشكيل (أصفر، أحمر، أبيض) كلمة...
ـ التجميع دون تكرار grouping without repitition: لتكن لدينا مجموعة عناصر مختلفة عددها ن، والمطلوب معرفة عدد الكلمات التي يمكن تشكيلها من ر عنصراً مع عدم السماح بتكرار أي عنصر.
مثال: كم كلمة مكونة من ثلاثة رموز يمكن أن تُؤلِّف من مجموعة الرموز على ألا يتكرر أي رمز في الكلمة الواحدة؟ يبقى هنا التباس وحيد: هل يُعدّ كلمة مختلفة عن ؟ لابد هنا أن نحدد تماماً معنى كلمة (مختلف)، الأمر الذي يؤدي إلى دقة الإجابة عن السؤال المطروح، كما أنه يؤدي إلى نوعين من تشكيل الكلمات.
1ـ الترتيب البسيط simple arrangement: وهو الكلمة التي تؤلف من عناصر مختلفة عددها ر، على أن يؤخذ الترتيب في الحسبان، ويُعبَّر عن ذلك بطريقة أدق كما يلي: الترتيب البسيط هو كلمة مؤلفة من عناصر مختلفة عددها ر بحيث تتحقق الخاصتان التاليتان:
(آ) تختلف الكلمتان المؤلفتان من ر عنصراً إذا اختلف عنصر واحد على الأقل في إحداهما عن جميع العناصر المؤلفة للكلمة الثانية.
(ب) تختلف الكلمتان المؤلفتان من ر عنصراً إذا اختلف ترتيب العناصر التي تحويها كل من الكلمتين.
مثال: الكلمة مختلفة عن ، كما أن جميع الكلمات مختلفة على الرغم من احتوائها العناصر نفسها، وذلك بسبب اختلاف ترتيب العناصر الداخلة فيها.
والسؤال ما عدد التراتيب البسيطة التي يمكن تأليفها من ثلاثة رموز من مجموعة الرموز الخمسة المعطاة؟
للإجابة عن هذا السؤال، إذا فُرض وجود ثلاثة صناديق مرصوفة بوضع أفقي، فإنه يمكن ملء الصندوق الأول برمز من هذه الرموز بخمس طرائق، إذ يوضع فيه أي واحد من مجموعة الرموز المعطاة، بعد ملء الصندوق بواحد من العناصر الخمسة يكون عدد العناصر المتبقية أربعة عناصر تعطي أربعة إمكانات لملء الصندوق الثاني، وأخيراً يبقى ثلاثة رموز، تعطي ثلاثة إمكانات لملء الصندوق الثالث والأخير. وهكذا فإن ملء الصندوق الأول يجري بخمس طرائق، وكل طريقة تقابل أربع طرائق لملء الصندوق الثاني، وكل طريقة من الطرائق الأربع تقابل ثلاث طرائق لملء الصندوق الثالث، ويكون عدد الطرائق المختلفة لملء الصناديق الثلاثة هو 5×4×3=60 هو في الواقع عدد التراتيب البسيطة التي يمكن تأليفها من ثلاثة رموز من مجموعة الرموز الخمسة المعطاة. وفيما يلي بعضٌ من هذه التراتيب البسيطة:
يُبرهن على أن عدد التراتيب البسيطة التي يمكن تأليفها من ر من العناصر المختلفة المأخوذة من مجموعة عناصر مختلفة عددها ن هو
ت (ن، ر) = ن (ن - 1) (ن - 2) ... (ن - ر+ 1)
حيث ت (ن، ر) هو رمز لعدد التراتيب البسيطة.
وهكذا فإن ت (5، 3) = 5 ×4 × 3 =60
2ـ التبديل البسيط simple sermutation: إذا كان عدد العناصر التي تؤلف منها الكلمة في الترتيب البسيط يساوي عدد الرموز المعطاة، فإن الكلمة في هذه الحالة تسمى «تبديلاً بسيطاً». وهكذا فإن التشكيل oΔ* في المثال السابق ليس تبديلاً بسيطاً وإنما هو ترتيب بسيط. أما التشكيل * o Δ ^ T مثلاً فهو تبديل بسيط، ويختلف التبديلان البسيطان إذا اختلف ترتيب عناصرهما.
ويبرهن أن عدد التباديل البسيطة التي يمكن تشكيلها من ن من العناصر المختلفة هو:
ت (ن، ن) = ن (ن - 1) (ن - 2) ...3 × 2 × 1
مثال: إن عدد التباديل البسيطة التي يمكن تكوينها من العناصر الخمسة .
هـو:
ت (5، 5) = 5 × 4 × 3 × 2 × 1 = 120
3ـ التوليف البسيط simple combination: وهو الاسم الدال على الكلمة التي تؤلف من ر من العناصر المختلفة المأخوذة من مجموعة عناصر عددها ن، على ألا يُدْخِل الترتيب في الحسبان. وهكذا يختلف التوليفان البسيطان إذا اختلف عنصر أو أكثر من العناصر الداخلة في التوليفين.
مثال: إن هو توليف بسيط من ثلاثة عناصر مأخوذة من المجموعة وهذا التوليف لايختلف عن في حين يختلف عن
ويبرهن على أن عدد التوليفات البسيطة التي يمكن تشكيلها من ر من العناصر المختلفة المأخوذة من مجموعة عناصر مختلفة عددها ن هو:
ويُنْسَب هذا المفكوك عادة إلى نيوتن Newton في حين تفيد المخطوطات أن العالم العربي محمد بن ابي بكر الكرخي (ت 1020م) قد أوجد طريقة سهلة للحصول على أمثال مفكوك ثنائي الحد، وهي في حالة التربيع 1 2 1 وفي حالة التكعيب 1 3 3 1 وفي حالة الدرجة ن
1، ق (ن، 1)، ق (ن، 2)، ...، ق (ن، ر)، ...، ق (ن، ن)
وقد صممَّ الكرخي للحصول على أمثال المفكوك ما يسمى مثلث الكرخي مع أن هذا المثلث ينسب خطأ إلى العالم الفرنسي باسكال Pascal (1623 - 1662) وهو كما يأتي:
حيث يجري الحصول على كل عنصر فيه وفق القاعدة التالية:
إذا جمعنا عنصرين متتالين آ وب ( آ يسبق ب) في سطر نحصل على العنصر من السطر التالي الواقع تحت ب مباشرة.
2ـ قانونا الكرخي:
ق (ن+1،ر)= ق(ن،ر) + (ن،ر-1)
ق(ن،0) + ق(ن،1) + ق(ن،2) +...+ق(ن،ن) =2ن
ـ التجميع مع تكرار
في هذه الحالة يكون هناك مجموعة عناصر مختلفة عددها ن والمطلوب معرفة عدد الكلمات التي يمكن تأليفها من ر من العناصر مع السماح بتكرار عنصر واحد أو أكثر أي عدد من المرات.
وهكذا لو كانت العناصر المعطاة هي وكان طول الكلمة المطلوب تأليفها من هذه العناصر مساوياً 3 فإن هي كلمة و هي كلمة أيضاً، ولكنها تختلف عن إذا أُخذ الترتيب في الحسبان ولا تختلف عنها إذا أُهمل الترتيب.
1ـ الترتيب مع تكرار: إن عدد التراتيب التي يمكن تشكيلها من ر عنصراً مأخوذاً من مجموعة عناصر مختلفة عددها ن وبحيث يُسمح بتكرار عنصر أو أكثر يساوي نر
مثال: إن عدد التراتيب التي يمكن تأليفها من المجموعة {1، 2، 3} بحيث يحتوي الترتيب على عنصرين يساوي 23=9، وهذه التراتيب في الواقع هي:
11 12 13 21 22 23 31 32 33
2ـ التبديل مع تكرار: عندما يكون الترتيب مع تكرار مكوناً من ن من العناصر فإنه يسمى «تبديلاً مع تكرار».
مثال: لدينا مجموعة العناصر {1، 2، 3} فإن 331 و121 و222 هي تباديل مع تكرار. يلاحظ هنا أن عدد عناصر التبديل مع تكرار يساوي عدد عناصر المجموعة التي يؤلف منها التبديل، على أن يُعدّ التكرارات، وهكذا يتكوّن التبديل 331 من ثلاثة عناصر مع أن عدد العناصر المختلفة الواردة فيه هو اثنان، وبسبب أن 3 تُعدّ مرتين، يكون عدد العناصر في 331 مساوياً 3.
يبرهن على أن عدد التباديل مع تكرار التي تُؤلَّف من مجموعة عناصر مختلفة عددها ن يساوي
مثال: إن عدد التباديل مع تكرار التي يمكن تأليفها من المجموعة {1، 2، 3} يساوي 33=27 ونورد فيما يلي بعضاً من هذه التباديل:
111 211 112 122 121 221 122 222
3ـ التوليف مع تكرار: ليكن هناك مجموعة عناصر مختلفة عددها ن، فإن التوليف مع تكرار هو كلمة مؤلفة من ر من العناصر التي لا تختلف بالضرورة بعضها عن بعض، ويختلف التوليفان مع تكرار إذا اختلف واحد أو أكثر من العناصر الداخلة في أحدهما عن الآخر.
مثال: في المجموعة لدينا توليفات مع تكرار يتكون كل منها من ثلاثة عناصر، كما أن * * Δ لا يختلف عن *Δ* ولذلك يُعدّان توليفاً واحداً.
يبرهن أن عدد التوليفات مع تكرار التي تتألف من ر من العناصر المأخوذة من العناصر المأخوذة من مجموعة عناصر مختلفة عددها ن يساوي
ق (ن + ر - 1، ر)
المراجع
الموسوعة العربية
التصانيف
الأبحاث