من أهم وأخطر الأزمات المزمنة والصامتة في الأردن أزمة جفاف وتملح أحواض المياه الجوفية في المملكة حيث يتجاوز معدل الضخ من هذه الأحواض 50% من المعدل الآمن لإعادة التزويد وفي بعض الأحواض الرئيسية مثل عمان –الزرقاء أو الأزرق يصل معدل الضخ إلى ما فوق 100% من معدلات إعادة التزويد الطبيعي أي أننا نضخ من أجل الشرب والزراعة ضعف الكمية التي تتم إعادة تزويدها عن طريق الأمطار وهذا وضع لا يمكن الاستمرار به.
معظم الضخ لأحواض المياه الجوفية يتم لأغراض الري بخاصة في عمان-الزرقاء والأزرق ووادي الأردن ورغم وجود عدادات على معظم الآبار فإن السنوات الماضية شهدت تزايدا ملحوظا في الضخ مقرونا برفض نسبة عالية من أصحاب الآبار لوجود أية رقابة من وزارة المياه والري أو وضع سقوف على كميات الضخ.
هذا الوضع يستدعي عدة إجراءات منها نظام جديد وصارم لمراقبة المياه الجوفية وتحديد سقوف محددة لكميات الضخ ووضع غرامات لتجاوز هذا الضخ وهذا ما يتم العمل عليه حاليا إضافة إلى تطوير برامج فنية لمراقبة كل حوض مائي على حدة لمعرفة كميات الضخ من الآبار وكذلك التأثير الكلي على حالة الحوض المائي وذلك ما أعلنت عنه وزارة المياه والري قبل ايام.
في الأطر الحديثة لإدارة المياه تتم إدارة كل حوض مائي وكأنه وحدة مستقلة ومتكاملة بحيث لا يتم اتخاذ قرارات في أطراف معينة من الحوض المائي تؤثر على أطراف أخرى سلبيا بدون معرفة الصورة الكلية، وهذا يتم أيضا مع دمج الأبعاد الاجتماعية. وربما نكون في الأردن بحاجة إلى تطوير خطط إدارة مستدامة لكافة الأحواض الجوفية حتى العام 2020 تتضمن تحديد سقوف الضخ بما يسمح بإعادة تجديد المخزون المائي تدريجيا مع الأخذ بعين الاعتبار تأثيرات التغير المناخي وتراجع مستويات هطول الأمطار وهي الحالة التي من المتوقع أن تتزايد في السنوات المقبلة.
قضية المياه ليست فنية ولا اجتماعية فقط بل هي مسألة أمن وطني وحتى في هذه الفترة التي نمر فيها بمرحلة «إصلاحات» تحت وطأة ضغط شعبي ومظاهرات واعتصامات وتأجيل للحلول الصعبة إلى السنوات القادمة فإن ترك هذا الاستنزاف الهائل الذي تتعرض له الأحواض المائية دون رقابة صارمة وحماية كاملة لحقوق الأجيال القادمة يرقى إلى مستوى المشاركة في جريمة ضد أبنائنا. تمتلك وزارة المياه والري المعرفة والإرادة الكافية لوقف الضخ الجائر وعلى المجتمع أن يساندها في ذلك بخاصة وسائل الإعلام والتي يجب أن تلعب دورا مسؤولا في التحذير من مغبة هدر المياه بالضخ الجائر والتهرب من دفع القيمة الحقيقية وإلا سنجد أنفسنا نلهث وراء قطرات المياه المتبقية بعد تصدير المزروعات إلى الخارج والسباحة في برك الترفيه في المنازل والفنادق وغيرها من الاستخدامات غير المدروسة للمياه.
علينا أن نكون شركاء في إدارة وحماية أحواض المياه ومراقبتها «حوضا حوضا وبئرا بئرا» وأن نمتلك الشعور بالمسؤولية الوطنية العامة حتى في ظل هذه الظروف التي تتميز بمزيد من المطالب من الدولة.
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة باتر محمد علي وردم جريدة الدستور