نعيش في الأردن في مرحلة انتقالية حساسة، كما كل الوطن العربي. في بلادنا مستوى عال من الوعي والمسؤولية الاجتماعية التي ساهمت في حماية الدولة من الإنزلاق إلى مواجهات كبيرة بين المعارضة والسلطة، وتمكنت هذه الميزات من المسؤولية الاجتماعية في منح الفرصة لجهود الإصلاح السياسي المختلفة والتي من المؤمل أن تصل إلى نهاية فعالة تساهم في تحقيق نقلة نوعية في الإطار المؤسسي والتشريعي للديمقراطية والمشاركة في صناعة القرار ومكافحة الفساد.
ضمن هذا السياق توجد عدة مظالم وحالات من الشعور السلبي بين فئات اجتماعية مختلفة تعتقد وتؤمن بأن لها حقا على الدولة أو حقا مسلوبا من قبل مؤسسات من القطاع الخاص وغيرها وأنها بحاجة إلى استعادة هذا الحق. وهنالك ايضا شعور بالإحباط المتواصل من بعض الصعوبات الاقتصادية وعدم تحقيق نتائج سريعة في التوصل إلى نهايات قانونية لجهود مكافحة الفساد تتمكن من كشف حالات الفساد المدروسة وتحويلها للقضاء وجعل المشاركين فيها يدفعون الثمن استنادا إلى تأكيدات جلالة الملك في رسالته إلى الحكومة بشأن تسريع الإصلاحات والتي دعا فيها إلى «إجتثاث الفاسدين والإطاحة بهم». في بعض الاحيان تقوم الجهات التي تحس أو تشعر بأنها صاحبة حق بتحركات شعبية في محاولة أخذ حقها بيدها أو فرض سيطرتها على الوضع المحلي مثل المطالبة من خلال المسيرات بإسقاط محافظ، أو بالمطالبة بمنع إقامة مشروع إستثماري في أراض متنازع على ملكيتها وغير ذلك من الممارسات.
في كافة الدول الديمقراطية توجد حقوق للمجموعات الاجتماعية وهي تعبر عنها بعدة وسائل، ولكن ربما ما زلنا حتى الآن في الأردن «غير معتادين» على هذه الحقوق سواء من قبل السلطة أو الجماعات الاجتماعية. في حالة السلطة والمساندين لها من دعاة الحفاظ على هيبة الدولة يوجد رفض تام لفكرة قيام مجموعات اجتماعية بمثل هذه النشاطات التي تغلق الطرق وتتجاوز نصوص القانون، وفي حالة المجموعات الاجتماعية هنالك ايضا مبالغة في تقدير حجم الحرية المتاحة والتي تصل أحيانا إلى الاعتداء على حقوق الآخرين ممن هم غير معنيين بالقضية (محاولة منع السياح من دخول وادي رم أو حرمان المرضى من العلاج في المرافق الصحية للقطاع العام). نحن الآن نمر في مرحلة تعلم للسلوك الديمقراطي السليم وعلى السلطة تجاوز هواجسها حول هيبة الدولة ومنح الناس فرص التعبير عن الرأي وكذلك من المهم جدا للممارسين لهذه الحرية جعل نشاطاتهم خاضعة للقانون وعدم الإعتداء على حريات وحقوق الآخرين وإلا سوف تتراجع مصداقية هذه المطالب.
الوصول إلى التوافق ليس أمرا سهلا وهو يحتاج لعقلية تحترم القيم الديمقراطية في التعبير وهي مسألة تعلم وتحتاج إلى وقت من أجل أن يتنازل كل طرف عن موقفه المسبق ويصل إلى نقطة تلاق مع الطرف الآخر في منتصف الطريق ووفق معادلة تعالج المظالم وتحفظ الحقوق وكذلك تحفظ هيبة الدولة وسيادة القانون ولا يمكن أن تنتصر السلطة بإنكارها لحقوق الناس ولا يمكن أن تنتصر التجمعات الاجتماعية عند تجاوزها للقانون وتخريب هيبة الدولة. الجميع سوف يخسر في هذه الحالة لأننا جميعا في مركب واحد يجب أن يسوده القانون العادل والحافظ لحقوق الجميع والملزم بتنفيذ كافة المسؤوليات المترتبة على الحقوق.
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة باتر محمد علي وردم جريدة الدستور