ينشغل الرأي العام الأردني منذ مدة طويلة بظاهرة الفساد ويجعلها تتقدم على أي مفهوم آخر في الإصلاح السياسي أو الاقتصادي.
وربما يكون هذا الوضع طبيعيا لأن الرأي العام الأردني يشعر بوجود تجاوز كبير على القوانين والتشريعات والأعراف السائدة في الإدارة العامة وفي المعاملات المالية وفي العطاءات والعقود والتعيينات وغير ذلك من الممارسات الإدارية المخلة والتي تندرج ضمن منظومة الفساد.
وفي خارج عمان، حيث يقتصر النقاش السياسي عليها تجد أن الهم الأكبر للمواطنين الأردنيين هو تقديم الفاسدين للعدالة واستعادة المال العام وعدم منح المخطئين فرصة لاستلام مناصب رسمية جديدة.
هذا الشعور العام بضرورة مكافحة الفساد له أسبابه الموضوعية لكن من المهم أن يمر وفق الأدوات القانونية السليمة حتى لا تصبح القضية مشاعا تأخذ في طريقها الأبرياء والمحترمين بحثا عن الفاسدين المختبئين.
المنظومة القانونية والمؤسسية الحالية لمكافحة الفساد في الأردن غير مكتملة وفيها جوانب من النقص.
ديوان المحاسبة يقوم بدور جيد في متابعة الأخطاء الإدارية والمالية ولكن بعد الصرف وليس قبل ذلك فدوره تشخيصي أكثر من كونه وقائيا، وأحيانا نجد جهودا كثيرة تبذل على مراقبة ممارسات تتعلق بالأدوار الوظيفية التقليدية في الوزارات أكثر من متابعة الخروقات في ملفات العطاءات والعقود. هيئة مكافحة الفساد تقوم بموجب قانونها بالتحقيق في التي ترسل إليها من قبل الحكومة وتضع مواردها البشرية والتقنية وهي محدودة في خدمة التحقيق وتستطيع أن تطلب بعض الأشخاص -منهم مسؤولون- للحوار (وليس الاستجواب) وبالتالي تخرج بتقييم للقضية مثار التحقيق وترسلها إلى الحكومة وإلى مجلس النواب.
وبالتالي تحتاج الهيئة إلى تعديلات دستورية تجعلها مرتبطة بسلطة أعلى من رئيس الحكومة ولها صلاحيات في استجواب المسؤولين.
مجلس النواب بدوره هو الجهة المخولة قانونيا بمحاكمة واستجواب الوزراء في قضايا الفساد لكن المجلس بالتركيبة التي انتجها قانون الصوت الواحد منذ 18 عاما عاجزة عن أداء هذا الدور بمصداقية ونزاهة. إن معظم الاستجوابات التي تمت لوزراء في المجالس السابقة هي فردية ومبعثرة وتحركها غالبا المصالح الشخصية والمناكفات وتصفية الحسابات وليس الصالح العام، وأمام المجلس الحالي -إن تبقى له وقت- أن يحقق نموذجا إيجابيا في متابعة قضية أمانة عمان رغم أن رئيس اللجنة النيابية المكلفة بالتحقيق يصرح وبكل وضوح بأنه يتعرض لضغط من نواب من خارج اللجنة يريدون دفع آلتهم باتجاه اشخاص معينين لتصفية حسابات معهم
حتى في المحكمة نجد أن هنالك تباينا بين المحاكم المدنية والتي تأخذ اجراءاتها وقتا طويلا وبين المحاكم الإستثنائية العسكرية والتي يمكن أن تصل إلى نتيجة سريعة (مثل قضية المصفاة) من خلال السلطة المطلقة الممنوحة لها في استدعاء الشهود ودراسة القضايا بدقة متناهية وإصدار الأحكام السريعة. لكن المطلوب هو ليس تقوية المحاكم الاستثنائية على حساب المدنية بل تمكين المحاكم المدنية من تسريع إجراءتها من خلال الاستعانة بسلطة أمنية أثناء التحقيق.
وحتى بعد إصدار الأحكام نجد أن هنالك سجون «سوبر ستار» لكبار المسؤولين السابقين مقارنة ببقية أفراد الشعب علما بأنه وفي مصر تم وضع كافة الفاسدين الكبار وحتى تحت التحقيق بالسجن العادي الذي «يرتاده» كل المواطنين |
وسائل الإعلام لا تلعب دورا إيجابيا أيضا في مكافحة الفساد لأنها تنساق وبسهولة (خاصة الإعلام الجديد) إلى الشائعات والأقاويل بينما يبقى الإعلام الرسمي مسكونا بضرورة الالتزام بالقوانين والتعليمات التي تمنع مناقشة قضايا منظورة تحت القضاء. وبالتالي فإن غياب المعلومة الصحيحة هو الذي يؤدي إلى انتشار الشائعات الهدامة، تماما كما أشار جلالة الملك في رسالته الأخيرة إلى رئيس الوزراء.
نحن بحاجة إلى تعديلات سريعة وفعالة في المنظومة المؤسسية والتشريعية المتعلقة بمكافحة الفساد حتى لا يبقى البلد نهبا للشائعات ويتم المضي قدما وبالسرعة القصوى في ملاحقة الفاسدين الحقيقيين وإصدار الأحكام المؤثرة بشأنهم وتطبيقها بعدالة كما على جميع المواطنين.
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة باتر محمد علي وردم جريدة الدستور
|