ربما ما زالت المنظومة الأمنية القاسية في سوريا قادرة على التمسك بالسلطة من خلال اتباع اشد اساليب القمع والتسلط التي بمتناولها، لكن اي شخص حصيف سيدرك بأن عقارب الساعة في سوريا لن تعود إلى الوراء، وأن الشعب السوري بعد أن كسر «حاجز الخوف» لن يقبل ابدا بأن يعود محكوما، أو يتم التحكم به بنفس الطريقة التي سادت طوال السنوات الأربعين الماضية.
منذ اندلاع التحركات الاحتجاجية والثورات في تونس ومصر لم تكن سوريا ابدا بعيدة أومنيعة عن الثورات لأن نفس الضائقة الاقتصادية والسياسية التي تمر بها الشعوب العربية موجودة في سوريا وبطريقة اشد قسوة وظلما.
لكن المفاجأة كانت في عدم إدراك القيادة السورية أبدا لهذا الواقع وجاءت تصريحات الرئيس بشار الأسد لصحيفة «وول ستريت جورنال في شباط الماضي لتشير إلى غياب حقيقي في معرفة الواقع السوري حيث اشار الرئيس آنذاك الى أن سوريا ليست مثل مصر وتونس لأنها «دولة ممانعة في مواجهة إسرائيل».
وإذا كانت هذه الجملة قادرة طوال العقود الماضية على تخدير تطلعات الحرية للشعب السوري فإنها لم تعد صالحة الآن لأن ذلك الشعب العظيم والمثقف والذي يمتلك القدرات الهائلة يستحق بالتأكيد حياة أفضل من ثنائية الفساد والاستبداد التي عصفت به طوال السنوات الماضية.
إن ما نخشاه هو أن هذا الشعب الوطني سيكفر بـ»الممانعة» التي منعته من الحصول على ابسط حقوقه السياسية منذ عقود طويلة في حال استمرت السلطة والشبكات الإعلامية المؤيدة لها في استخدام كلمة «الممانعة» مبررا لثنائية الاستبداد والفساد.
منذ المظاهرة الصغيرة الأولى في سوق الحميدية في بداية آذار كان التغيير قد حدث في سوريا، لأنه عندما يمتلك عشرات الشبان الشجاعة للخروج في مظاهرة علنية من أجل التغيير والحرية في دولة يقوم نظامها الأمني بإخفاء أي معارض للرأي سواء أكان من الأطفال أو الشيوخ أو النساء فإن ذلك يعني أن «حاجز الخوف» قد انتهى.
وعندما تزايدت المظاهرات في درعا وحمص واللاذقية وضواحي دمشق كانت ساعة التغيير قد دقت بلا رجعة، لكن القيادة ايضا لم تنصت لها.
اختارت القيادة السورية الحل الأمني القاسي ولم تستمع لنصائح أصدقائها مثل رجب طيب أردوجان والذي تمتع بالمصداقية والشجاعة ليعلن رأيه صريحا، كما أحرجت كل مناصريها الذين آثروا الصمت المدوي في معناه مثل حزب الله والجهات السياسية الأخرى التي طالما بنت مصداقيتها على مفهوم الحرية والكرامة والعدل لكنها التزمت الصمت في ما يخص حقوق الحرية للشعب السوري فتعرضت لخسارة هائلة لسمعتها لدى الرأي العام العربي.
وقد أدت قناعة النظام الأمني السوري بأن من لا يؤيدنا هو عدو لنا بإسقاط رموز فنية وثقافية كبيرة كانت تحظى بالاحترام في العالم العربي مثل «دريد لحام» والذين اصدروا تصريحات مسيئة للشعب السوري وافتقرت تماما للذكاء والإقناع فخسروا ايضا في هذه المعادلة الصفرية التي لا ترحم.
في كل ثورة هنالك لحظة فارقة تجب ما قبلها وتفتح الباب أمام ما بعدها، وفي سوريا يمكن أن تقول هذه اللحظة الفارقة هي استشهاد الطفل «حمزة الخطيب» فالثورة السورية ومنذ اليوم الأول بدأت بالاطفال والمراهقين الذين تحدوا جبروت السلطة وهم يتوقون إلى مستقبل أفضل وسيشكل استشهاد «حمزة الخطيب» اللحظة التي تتغير فيها سوريا إلى الأبد وإلى الأفضل -إن شاء الله- مهما بلغت قسوة النظام الأمني عتيا لأن الخيار الوحيد أمام الشعب السوري هو الحرية، وما نتمناه هو أن يدرك العقلاء من صناع القرار في سوريا هذه الحقيقة ويتوقفوا عن الخيار الأمني نحو الحوار والذي وحده سيفتح المستقبل المزدهر لسوريا.
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة باتر محمد علي وردم جريدة الدستور