يبدو دور الوزراء والأعيان والمسؤولين في الدولة، والذين اختير عدد كبير منهم لأسباب متعلقة بالتوازن الجغرافي والاجتماعي ولتمثيل المناطق التي ينتمون إليها، محدودا في توضيح المشروع السياسي والاجتماعي للدولة، ولم ينجحوا في اكتساب قاعدة اجتماعية فاعلة ومتقدمة مؤيدة للمشروع. 
وفي الأزمات والاحتقانات القائمة اليوم في المحافظات والمناطق، لا يبدو للقيادات والفعاليات الرسمية أثر واضح في بناء قاعدة من المثقفين والمهنيين، تملك رؤية فكرية وسياسية للدولة، وتدافع عنها وتحاور وتجادل بها المعارضة السياسية، أو قادرة على التواصل مع الحراك الشعبي والجماهيري. ولم تساهم هذه القيادات والفعاليات على نحو واضح في تخفيف الاحتقان والتوتر والعنف المجتمعي، ولم تشارك في حوارات شعبية وفكرية وسياسية مع الأحزاب والقوى السياسية، ولم تُشغل في بناء توافق وطني بين القوى والأطراف السياسية والاجتماعية والمهنية لتقريب وجهات النظر، أو تؤسس لقواعد وميثاق للعمل والتنافس السياسي، تجعل الأهداف والرسالة واحدة، وتحصر الاختلاف في الوسائل وترتيب الأولويات.
ما فرصة الوزراء والأعيان والمسؤولين في النجاح في الانتخابات النيابية والنقابية التي تجرى أو سوف تجرى في البلاد؟ لماذا لا نرى قاعدة اجتماعية وسطية سياسية وفكرية مؤمنة بمشروع الدولة السياسي وتدافع عنه بالحجة، وتجتذب فئة واسعة من المهنيين والمثقفين والناشطين والطبقات الوسطى والقيادات السياسية والاقتصادية والاجتماعية؟
سأغامر بالقول إن دورهم كان عكسيا؛ فمشاركاتهم الاجتماعية تغلب عليها "العزايم" والجاهات والعزاءات والأفراح. ولا بأس في ذلك، ولكنه دور المخاتير وليس القادة السياسيين والوزراء والأعيان والمحافظين. ودورهم السياسي يغلب عليه حشد الفزعات التي تزيد الأزمة، ويغلب على المشاركة فيها دوافع غير راقية أو موضوعية، ويرتبط بها أقارب ومتطلعون إلى مكاسب صغيرة وآنية. وأقبل معظمهم بفجاجة وبشاعة على توظيف الأقارب ولو كانوا فاشلين. وحولوا الأعمال والمؤسسات إلى شلل مغلقة، وعزلوا مشروع الدولة ورسالتها عن المثقفين والمهنيين والسياسيين والتقنيين والطبقات الوسطى والنشطاء القادرين على تطوير مشروع الدولة وتقديمه في أوعية فكرية وسياسية ومؤسسات ومنظمات اجتماعية سياسية تتشكل حولها الأعمال والتجمعات السياسية والاقتصادية، وأصبحوا في معظمهم عالة على الدولة، وأضعفوها وأضروا بمصداقيتها.
نحتاج ببساطة ووضوح إلى جدال وأعمال تؤول إلى تجمعات وبرامج وتنافس انتخابي وسياسي وفكري مؤسسي وراق، يستقطب معظم/ جميع فئات المجتمع وطبقاته حول المسائل والسياسات الأساسية والعامة، مثل الدور الاجتماعي والاقتصادي للدولة، والدين والدولة، والعلمانية، والضرائب والسياسات والتشريعات الضريبية، والاقتصاد الاجتماعي، والإنفاق العام، وعدالة التوزيع، والعدالة الاجتماعية، والعلاقة بين الدولة والسوق، والعلاقة بين المجتمع والسوق، والشراكة بين الدولة والمجتمع.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  ابراهيم غرايبة   جريدة الغد