درجت العادة في الأردن، وربما في دول أخرى، على تسمية الحكومات بأسماء رؤسائها. وأظنه اتجاها جمعيا في حفظ الذاكرة وتمييز الأسماء والأشياء والتواريخ. ولسوء حظ الحكومات ورؤسائها في الفترة الأخيرة، أنها جاءت في مرحلة انتقالية غامضة وعاصفة. ولكنه تحول وغموض غير معترف به، لا نريد أن نعترف به في الحقيقة، يشبه وصول لعبة إلى حالة قابلة للاستمرار نظريا ولكنه استمرار لا معنى له ولا طائل من ورائه. فلم يعد ممكنا إلا إنهاء اللعبة بلا نتيجة واضحة، أو استمرار الحركات المتبادلة إلى ما لانهاية. ولكن في النهاية ستأتي لحظة الحقيقة والمواجهة والاعتراف.
ثمة فجوة هائلة جدا بين المعروض والمطلوب في الإصلاح، يشبه الفجوة بين مطالبة بسداد مائة ألف دينار والمعروض للتسوية فقط مائة دينار. وهذا ليس سرّ الأزمة، ولكن السر يكمن في أن المدين الذي يعرض مائة دينار يتصرف بجدّية ووقار!
كانت استقالة حكومة سمير الرفاعي في أوائل العام 2011 نهاية لمرحلة تاريخية طويلة ومتراكمة، ومحاولة للدخول في مرحلة جديدة مختلفة اختلافا كبيرا عما سبقها. وكان يفترض أن يجري ذلك في عملية انتقالية قصيرة لا تتجاوز السنة، لتؤول العملية السياسية إلى انتخابات تعبر بالفعل والحقيقة عن ولاية الشعب على نفسه وموارده، وأن تتولى هذه السلطة المنتخبة إدارة الموارد والبلاد والسياسات على النحو المعبر عن إرادة الشعب.. هذا هو أبسط مخرج يمكن تصوره من الأزمة الاقتصادية والسياسية: ردّ الأمانة والتركة إلى أصحابها الحقيقيين!
ولكن يبدو واضحا اليوم أن ثمة رغبة مدعومة بالنفوذ في إطالة المرحلة الانتقالية إلى الحدّ الذي يضمن استعادة مرحلة ما قبل 1/2/ 2011؛ أي استمرار تداول المال والسلطة والتأثير والفرص على النحو الاحتكاري الوصائي الذي نشأت حوله منظومة من المصالح والجماعات واللوبيات والعلاقات والمصاهرة والمشاركة والمؤسسات والعطاءات والتوريدات والقرارات والتشريعات، وأصبحت فجأة معرضة للتساؤل والمراجعة والتفكيك. والواقع أن هذه هي أزمة الإصلاح في البلد؛ فنحن ننتظره من مجموعة ستكون متضررة من الإصلاح، وستدفع ثمنه غاليا من مكاسبها ومصالحها، فلن يكون إصلاح إلا بتضحية كبيرة جدا من النخب المهيمنة على الموارد والتأثير، وعلى نحو مغلق ومتراكم ومتواصل.
حكومة فايز الطراونة مطلوب منها تطبيق المبادرة التاريخية؛ أن تضحي"النخبة" بمكاسبها ومصالحها، أو تزكيها بانتخابات نيابية عادلة، أو أنها ستكون مثل حكومة الخصاونة!
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة ابراهيم غرايبة جريدة الغد