ثمة حملة سياسية وإعلامية وشعبية واسعة حول الإخوان المسلمين. وهو أمر طبيعي ومتوقع بالنسبة لتيار سياسي واجتماعي مؤثر وصاعد، والأمر نفسه سوف يحدث لو كان في الواجهة أي تيار سياسي واجتماعي آخر؛ الليبراليون أو اليساريون أو القوميون أو المحافظون. ولا فائدة بالطبع من الحديث عن، أو معارضة حزب سياسي محدود الأثر مهما كانت أفكاره ومواقفه جدلية. ولو نظرنا إلى حملة النقد والمعارضة للحكومة والتيارات والنخب والشخصيات المؤيدة لها، أو التي تعمل قريبا منها، فسنجد أنها أضعاف الحملة على الإخوان المسلمين. ولذلك، فإن الكتابة عن الإخوان المسلمين هي اعتراف ضمني بتأثيرهم وأهميتهم. ولا جدال في ذلك. ولا يحتاج الكاتب أو المعلق أو الناشط، حين ينتقد الإخوان المسلمين، أن يمضي وقتا طويلا في الاستدراك في نقد الحكومة والأحزاب والتيارات. ويمكن في الأردن، ومع تطور الصحافة الالكترونية وما تتيحه شبكة الإنترنت، معرفة وتحديد السياق العام، وموقف الكاتب ومدى حياده أو التزامه أو انحيازه.
صحيح أن جزءا كبيرا من الإنتاج الإعلامي والسياسي فيه غوغائية وضعف في الأدلة والمعلومات وانحياز، ولكنها ظاهرة سياسية وإعلامية متعلقة بكل قضايانا، وما يكتب عن الأشخاص والتيارات والحكومات. وهذا أمر مؤسف بالتأكيد، ولكنه لا يخص الإخوان المسلمين دون غيرهم، كما أن الواقع الإخواني الإعلامي والسياسي والفكري هو أيضا جزء من الظاهرة نفسها، فهو يتضمن قدرا كبيرا -يكاد يكون غالبا- من التعميم والخلط بين الإسلام والجماعة، والهجوم الشخصي والتجريح وتجاهل الحقائق، والنظرة الجزئية والتقية.
ما أريد أن أوضحه عني شخصيا، وعن عدد كبير من المواطنين والناشطين والمتابعين للشأن السياسي والوطني عرفت بعضهم وكل يوم أتعرف إلى أشخاص جدد، وصار لدي قناعة أن ثمة تيارا وطنيا واسعا لا يعبر عن نفسه في مؤسسة أو هيئة أو حزب، ولكنه طبقة واسعة في المجتمع من فئات وأعمار ومصالح ومواقع مختلفة ومتعددة، يملك رؤية ورسالة واضحة ويؤمن بمواقف وسياسات اجتماعية وسياسية وإصلاحية مستقلة/ مختلفة عن برنامج الحكومات والحركة الإسلامية والتيارات القومية واليسارية، ولكنها ليست معادية، وتجد لها أنصارا في صفوف الحكومة ومؤيديها ونخبها، وأيضا في الحركات والجماعات السياسية التقليدية، ولكنها أكثر حضورا وانتشارا لدى أفراد ومجموعات لا تجد نفسها في الخريطة السياسية المتشكلة، ولا تريد أيضا أن تنأى بنفسها عنها، وتبحث عن مسارات ممكنة في المجتمعات والقطاع الخاص، وأيضا لدى السلطة التنفيذية والأحزاب والنقابات. ما أريد أن أوضحه أن الإسلام مكون رئيس وحاضر في البلد؛ في الدولة والمجتمع والأحزاب والمؤسسات والتشريعات، وينظر إليه مستقلا عن الإخوان المسلمين. فالموقف من الإخوان ليس بالضرورة موقفا من الإسلام. وننتظر من الإخوان، كما سمعت من أحد الشباب الأذكياء في إحدى الندوات، أن يجيبوا عن أنفسهم باعتبارهم جماعة، وأن لا يستشهدوا بعمر بن عبدالعزيز وصلاح الدين، فنحن جميعا نؤمن بهؤلاء القادة ونحبهم، ولكنا نسأل: ماذا يقول همام سعيد وزكي بني ارشيد، ونعرف مثلهم وربما أكثر عن عمر بن الخطاب ونور الدين زنكي... ونتمنى مثلهم، وربما أكثر، إحياء هذه النماذج. أظن أن هؤلاء القادة لم يكونوا أعضاء ولا قادة في جماعة الإخوان المسلمين.. أليس كذلك؟
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة ابراهيم غرايبة جريدة الغد