يلاحظ أن الحراكات ذات الأهداف المطلبية المباشرة نجحت في تحقيق أهدافها، سواء بتحقيقها مباشرة مثل نقابة المعلمين أو المجموعات التي حصلت على مكاسب وظيفية، أو بامتلاك تأثير إعلامي وسياسي وتعاطف شعبي ومجتمعي. ولكن الأحزاب والحراكات ذات الأهداف السياسية لم تشكل حالة إعلامية وجماهيرية مؤثرة، وربما يعود ذلك إلى أن الأزمة الأساسية في الأردن اقتصادية بامتياز، ومتصلة بهموم المجتمعات والطبقات الوسطى أساسا، ولم تتمكن الأحزاب بعد، ولا الطبقات الوسطى، من الربط بين العمل السياسي وأهدافها الاجتماعية والاقتصادية.
والأزمة السياسية في الأردن لا يصلح لها عمل جماهيري وحشد في الشارع وإضرابات ومظاهرات. صحيح أنها عمليات ضرورية للضغط والتأثير على السلطة التنفيذية، ولكنها لا تكفي، وليست فاعلة أو ذات جدوى إذا لم تكن في خدمة برامج وتشريعات وسياسات ومواقف واعية ومحددة وواضحة وناضجة تصلح للتفاوض والضغط والقياس. القول مثلا "الشعب يريد إصلاح النظام" شعارا للتظاهرات والتجمعات السياسية لا معنى له إلا في المرة الأولى للتظاهر؛ ولكنه إن لم يتحول إلى أفكار وتنظيمات وتجمعات حول قضايا وأفكار إصلاحية واضحة ومحددة، يتحول إلى عملية مكررة غير مجدية وغير واضحة.
والحراكات الشعبية القائمة تعتمد أساسا على مجموعتين أساسيتين: جماهير شبابية وعامة ساخطة أو متطلعة إلى الإصلاح بمفهومه العام الحالم الرومانسي؛ وقيادات ونخب سياسية لا تساعدها تجربتها ولا عمرها الزمني على إدارك واستيعاب التغيرات الكبرى والفرص الناشئة في العمل والتشكل والتغير حول شبكة الإنترنت والتواصل الاجتماعي والإعلام الجديد. ولا أعنى هنا بالتأكيد قدرتها التقنية والفنية على التعامل مع الشبكية، ولكن الاستيعاب الفلسفي والاجتماعي والخيال القادر على بناء نموذج اجتماعي وحضاري جديد حول الشبكة؛ فالتقنية لا يكون تأثيرها في عملها وإنجازها التقني والمادي، ولكن في منظومة الأعمال والأفكار والتشكلات الاجتماعية والثقافية الناشئة حولها.
مثال نقابة المعلمين يصلح للتأكيد على هذه المقولات والأفكار الواردة حول العلاقة بين المصالح والعمل السياسي. فالمطالب النقابية تصلح لجمع الناس وتنظيمهم حول قضية واحدة مشتركة وقابلة للقياس والتفاوض والتقويم، وتشكل إجماعا لدى المشاركين فيها حول أهميتها وطبيعتها كمنجز يعود عليهم بنتائج أفضل.
مشكلة الحراك الاجتماعي والسياسي أنه لم يتقدم بعد إلى إدراك هذه العلاقة في التشريعات والسياسات والأنظمة الاقتصادية والسياسية، ولا يلاحظها إلا عندما تكون مباشرة وغير معقدة، وهذا ما يجعل الحراكات المطلبية أكثر نجاحا من برامج وتجمعات سياسية قائمة على المصالح والأفكار والسياسات المنشئة لها في أبعادها العامة والفلسفية وغير المباشرة.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة ابراهيم غرايبة جريدة الغد