من المتوقع أن تدخل إلى الحياة السياسية في الأردن ممارسة جديدة في إطار الإصلاح السياسي وهي الإستفتاء العام. المحور الذي ينتظر أن يتم الاستفتاء عليه هو التعديلات الدستورية المقترحة وهي فكرة طرحها رئيس مجلس النواب وتحاول أن توسع من آفاق المشاركة الشعبية في اتخاذ القرارات الإستراتيجية على مستوى الإصلاح السياسي.

التعديلات الدستورية تحتاج، حسب الدستور الحالي إلى موافقة ثلثي أعضاء مجلس الأمة حتى تصبح نافذة، وربما لا تكون هنالك صعوبة في تحقيق تلك النتيجة، فلماذا يتم اللجوء إلى ممارسة جديدة قد تصبح بحد ذاتها مشكلة إضافية ومصدرا للشك بدلا من أن تكون عاملا مساندا للإصلاح السياسي؟ ربما يكون السبب يتعلق بضرورة تجاوز حاجز الثقة بين المواطنين ومجلس النواب، حيث سيكون من الصعب أن يتم إقتصار القرار الخاص بالتعديلات الدستورية على أعضاء برلمان يواجه الكثير من حملات التشكيك وغياب الثقة الشعبية وبالتالي فإن اية نتيجة بالموافقة على التعديلات الدستورية من قبل البرلمان ستكون دائما معرضة لنقص في المصداقية.

إذا قد يكون البديل أن نجعل الرأي العام يقرر، تماما كما في مصر والمغرب حيث تمت الموافقة على التعديلات الدستورية في استفتاء شعبي عام تمتع بقدر كبير من المصداقية بالرغم من رفض نسبة من التيارات السياسية لنتائج الاستفتاء. المهم أن تكون عملية تنظيم الاستفتاء منهجية ونزيهة وواضحة لجميع الناس وأن يكون مستوى عال من الثقة بحيث يمكن أن تتولى السلطة القضائية لا التنفيذية مسؤولية تنظيم الاستفتاء والإشراف عليه مع فتح المجال تماما للمراقبة والمتابعة الدولية بدون تصلب في المواقف أو التخوف من أجندات خارجية.

من المتوقع أن تكون نتيجة الاستفتاء هي الموافقة على التعديلات الدستورية لسبب بسيط وهو أن الغالبية العظمى من الناس تريد الأفضل والتقدم إلى حالة تتيح المزيد من الحريات العامة والتنمية الاقتصادية. وبالتالي فإن النقاش السياسي العميق حول التعديلات سيكون مقتصرا على النخبة المسيسة بينما سيكون الرأي العام ميالا إلى الموافقة في حال كانت التعديلات مقنعة وتحقق بالفعل الحد المطلوب من متطلبات الإصلاح السياسي. هذا يتطلب أيضا وجود قدرة لدى تيارات المعارضة على قبول النتيجة النهائية وعدم خلق مشاكل وتشكيك في النتائج يمكن أن يجعل الإستفتاء سببا في مشكلة جديدة بدلا من أن يكون جزءا من الحل.

يبقى هنالك سؤال منهجي حول آلية التصويت وهل سيكون الاستفتاء بخيارين هما "نعم" و "لا" تجمعان كافة التعديلات؟ ربما يكون هذا اسهل من الناحية التنظيمية ولكن ربما يحمل بعض الناس مواقف إيجابية تجاه بعض التعديلات وسلبية تجاه بعضها الآخر وستكون عملية توعية في منتهى الأهمية لو تم تقسيم التعديلات الدستورية إلى بضعة محاور يتم الإستفتاء على كل محور لوحده وبالتالي تقديم وجهة النظر الحقيقية تجاه هذه التعديلات وبعض الإحصائيات المقارنة المهمة جدا من أجل معرفة التوجهات الحقيقية للرأي العام بدون وصاية سواء من قبل مثقفي السلطة أو المعارضة.

الإستفتاء على التعديلات الدستورية قد يكون فرصة لإحداث نقلة نوعية كبيرة في الوعي السياسي للرأي العام في الأردن وفي المشاركة الشعبية في اتخاذ القرارات الإستراتيجية، ولكن هذا فقط في حال تم تنظيم الاستفتاء بطريقة حضارية ونزيهة وتحترم ذكاء الناس وبدون التحشيد الرسمي أو حتى الاستعراضات الساذجة التي عادة ما ترافق هذه الأحداث ويكون لها أثر عكسي على رد فعل الرأي العام والقوى السياسية.


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة  باتر محمد علي وردم   جريدة الدستور