فروخ (مصطفى -)
(1901-1957)
مصطفى فروخ، رسام ومصور لبناني من مواليد حي البسطة التحتا في بيروت، وتوفي فيها بمرض سرطان الدم (اللوكيميا). نشأ في بيئة متواضعة ومتزمتة حاصرت موهبته التي بدأت بالظهور وهو في الخامسة من العمر، لذلك لم ير لوحة زيتية أبدعتها يد فنان قبل العاشرة من عمره.
حينما تفتقت موهبته، وعكف على ممارسة الرسم، جوبه بمواقف عدائية من أهله وجيرانه وبعض رجال الدين، لاعتقادهم بتحريم الرسم شرعاً، غير أن بعض أساتذته ووجهاء بيروت أمثال: الشيخ مصطفى غلاييني وصلاح لبابيدي قاموا بتشجيعه ورعايته، ووفروا له فرصة تعلم مبادئ الرسم عند ابنة أحد المصورين الضوئيين وتدعى جولي لند، ثم تابع الدراسة في محترف الفنان حبيب سرور الذي علَّمه وشجعه على السفر وتعلُّم اللغتين الإيطالية والفرنسية.
في العام 1924، وبعد أن تمكن من توفير مبلغ كاف من المال، شدَّ الرحال إلى إيطاليا حيث درس في الأكاديمية الملكية للفنون في روما، وانتسب إلى مدرسة خاصة بهدف التمرين واستجماع الخبرة. تلقى فروخ في روما رعاية خاصة من المونسينيور شديد وكيل البطريركية المارونية فيها، والذي اقتنى عدداً من لوحاته التي نسخها في عدد من المتاحف الإيطالية. أمضى فروخ نحو أربع سنوات في إيطاليا، درس في أثنائها أصول الرسم والتصوير والنحت والعمارة وتاريخ الفن والمنظور والتشريح والأمور المتعلقة باللون والضوء وغيرها، مما وفر له خبرة واسعة، سرعان ما ظهرت في لوحتيه اللتين شارك بهما عام 1926 في معرض (بينالي) Bienale روما وهما «صورة غروب الشمس وغروب الحياة» و«صورته الشخصية أمام المرآة».
ألمَّ فروخ بالمذاهب والتيارات الفنية التي كانت سائدة في أوربا في أثناء دراسته، وكان قادراً على تمييز أسلوب وخصائص كل فنان اشتغل في هذه المدرسة أو تلك. ومع ذلك لم تتمكن إيطاليا من إرواء ظمئه للمعرفة وشغفه بالاطلاع والدراسة، فشدَّ الرحال عام 1927 إلى فرنسا مؤكداً أنه في أثناء وجوده في إيطاليا أحس بالحاجة إلى زيارة باريس، والاطلاع على الروائع في صالاتها ومتاحفها. ومع ذلك، ظلت روما تشده إليها، حيث قام بزيارتها أربع مرات، للاستزادة من فنونها، وقد كان يردد دوماً «روما هي موطن روحي». بالمقابل فتحت باريس أمامه طريق الريادة في الفن اللبناني، حيث كان من أوائل الفنانين الانطباعيين في جيله، إلى جانب جيل الانطباعية الأول الذي يمثله الفنانون عمر الأنسي وقيصر الجميّل وصليبا الدويهي ورشيد وهبي.
أقام فروخ أول معرض فردي له عام 1928 في دار الوجيه أحمد بك أياس، ضمّنه مجموعة من اللوحات عالج فيها موضوعات اجتماعيّة. ثم أقام معرضه الثاني في الجامعة الأمريكية شمل لوحات تناول فيها موضوعات التصوير كافة كالمنظر الطبيعي، والوجوه، والموضوعات التاريخيّة، ومشاهد من الحياة اليوميّة اللبنانية. وقد أحجم عن عرض اللوحات التي تناول فيها موضوع «العاري»، لاعتقاده أن ثقافة الناس لم تصل إلى الحد الذي تقبل فيه مثل هذه الموضوعات.
برع الفنان مصطفى فروخ في التعامل مع تقانات الرسم والتصوير كافة، وكان مسكوناً بهاجس تحقيق فن قومي، والتأسيس لنهضة فنية تُعمم الثقافة الفنية بين الناس. وعلى الرغم من النجاحات التي حققها في معارضه كافة، ظل دائم التجديد والإضافة والتطوير ومحاولة التوفيق بين ثقافته البصرية الأوربية من جهة، وتراث بلاده وأمته العريق والأصيل من جهة أخرى.
محمود شاهين
المراجع
الموسوعة العربية
التصانيف
الأبحاث