التعديلات الدستورية في الأردن هي نقلة نوعية تاريخية بامتياز، وبغض النظر عن الموقف النهائي تجاه ما طرحته اللجنة الملكية التي سلمت توصياتها لجلالة الملك مساء أمس، فإن الأردن الآن يبدو مقبلا على مرحلة جوهرية من الإصلاح السياسي غير مسبوقة منذ خمسين عاما على الأقل ولذلك فإن طريقة التعامل مع هذه التعديلات الدستورية تحتاج إلى أعلى مستويات الشفافية والنضوج السياسي.
التعديلات الدستورية إضافة إلى مخرجات لجنة الحوار الوطني هي الأدوات التنفيذية الموجودة حاليا على الساحة السياسية لتحقيق الإصلاح السياسي المنشود. بالطبع توجد عدة اعتراضات وانتقادات ومواقف مختلفة تجاه التعديلات ومخرجات لجنة الإصلاح الوطني ولكن القيمة الأساسية للديمقراطية هي أنها يجب أن تسمح للحوار والتوافق بأن يأخذ مجراه ضمن القنوات الدستورية المعروفة. من حق كل حزب أو تيار أو حتى مجموعة نشطاء سياسيين إصدار بيانات وتصريحات وكتابة مقالات وتنظيم مسيرات واعتصامات تنتقد ما هو مطروح وتعتبره «غير كاف» ولكنها حتى تكون ذات حضور سياسي حقيقي عليها أن تساهم في تقديم البديل وتحديد الآثار السياسية والاقتصادية والاجتماعية لهذا البديل.
من المهم تنظيم حملة إعلامية مدروسة وهادئة وغير خاضعة لإغراءات الضغط أو التطبيل والتزمير لشرح هذه التعديلات الدستورية وتأثيراتها السياسية وكذلك على مجمل الممارسة الديمقراطية في الأردن وعلى نوعية حياة المواطن الأردني. فعندما نتحدث عن محكمة دستورية فمن المهم أن يفهم المواطن ما المقصود بذلك وما هو التغير الإيجابي الذي يمكن أن يحدث على مستوى الحياة العامة نتيجة هذا التوجه. لا يجوز أن يبقى أمر التعديلات الدستورية محصورا بالخبراء والنخبة السياسية سواء في السلطة أو المعارضة بل يجب أن تصبح مدخلا لحوار سياسي يساهم في توعية شاملة حول مفهوم الإصلاح السياسي المنشود.
أسوأ ما قد يحدث هو أن نتوه في زحام الشعارات والبيانات والتصريحات بدون مناقشة حقيقية لهذه التعديلات وأين يمكن تحسينها وضمن أية ظروف وفي أية منابر (مجلس النواب أم عبر استفتاء عام). لا نريد كمواطنين أردنيين أن نترك أمر الحوار السياسي فقط بين الحكومة والمعارضة والتجاذبات المصلحية والمؤسسية والإيديولوجية بينها بل أن يشارك الرأي العام من خلال وسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدني والنشاطات الشعبية المختلفة.
الإصلاح السياسي هو في نهاية الأمر أداة للمزيد من المشاركة العامة في صناعة القرار وبدون رأي عام مثقف وواع ومؤمن بالديمقراطية لا يمكن أن تنجح أفضل الأنظمة السياسية أو الدستورية. الإصلاح السياسي يحتاج أيضا إلى توافق بين الأردنيين ولا يمكن السماح بفرض وجهات نظر ضيقة سواء من الطبقة المتنفذة في السلطة أو من قبل معارضة قد تتسم بالتشنج في بعض المحاور لأن الهدف الأساسي في النهاية هو نجاح واستدامة الدولة الأردنية بكافة مؤسساتها ومواطنيها وليس دعم مواقف أو مصالح لجهات محددة وفرضها على الدولة.
عطفا على ما شاهدناه في الأشهر الماضية في جدال الإصلاح في الأردن من تردد السلطة التنفيذية ومقاومة قوى الشد العكسي وغلبة الشعارات على المضمون في المعارضة لا اشعر أنني متفائل بقدرة التعديلات الدستورية على تحقيق نقلة ونهضة سياسية حقيقية في الأردن إلا إذا حدث تحول ما في نمط العمل السياسي بحيث نضع مصالح البلد ومستقبل أبنائنا في المقدمة وليس مصالح أحزابنا وجماعاتنا وتيارتنا وشللنا السياسية والاقتصادية والتي لا تزال وبكل اسف هي السائدة حتى الآن.
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة باتر محمد علي وردم جريدة الدستور