في التخطيط الحضري الحديث للمدن يتم التركيز على التكثيف العمودي للمباني والمرافق وتجميع الخدمات في الضواحي حيث تكون كلفة الخدمات والمواصلات أقل ونوعية البنية التحتية أفضل. وغالبا ما تكون أنجح المدن من حيث الخدمات والإدارة هي ذات التوسع العمودي والكثافة العالية للسكان بينما تقل الكفاءة عند التوسع العشوائي.

حال عاصمتنا الحبيبة وقراراتها التخطيطية يصب في الاتجاه المعاكس للنمو الحضري الحديث، حيث يعتبر قرار عام 2007 بضم ست مناطق جديدة إلى عمان بمثابة توسع عشوائي وغير مدروس فرض على أمانة عمان كلفا للخدمات والبنية التحتية والتنظيم بمقدار 5 أضعاف المردود المالي من إضافة هذه المناطق. وفي واقع الأمر لم يستفد من القرار إلا أصحاب الحيازات الواسعة من الأراضي الذين ارتفعت اسعار أراضيهم بشكل هائل مع ضمها إلى أمانة عمان بينما كانت الضحية الرئيسية نوعية الخدمات المقدمة إلى المساحة السابقة للمدينة والتي لا زالت تشهد تزايدا كبيرا في السكان والنمو العقاري والنشاطات الاقتصادية والتجارية.

بعد قرار ضم المناطق الست الجديدة والذي لم يحدث بناء على طلب شعبي أو نقاش عام كما في الدول المتقدمة، أصبحت مساحة عمان الكبرى 1680 كم مربع وهي مساحة أكبر من برلين (892 كم مربع) وموسكو (1081 كم مربع وسكان حوالي 10 مليون) ولوس أنجلوس بحوالي (1290 كم مربع )ونيويورك ذات الملايين التسعة والمساحة التي تصل إلى (1214 كم مربع )منها مساحات شاسعة من الغابات والحدائق. أما مقارنة مع العواصم العربية العريقة وذات التعداد السكاني الكبير فحدث ولا حرج حيث تصل مساحة القاهرة إلى( 214 كم مربع) فقط ودمشق إلى( 573 كم مربع).

ما هو المنطق، أو غياب المنطق الذي أدى إلى مثل هذا التوسع وبدون أية إضافة نوعية إلى نوعية الخدمات حتى في المناطق الجديدة؟ هذا الامتداد العشوائي في كافة الاتجاهات ابتلع كافة الأراضي الزراعية والمناطق الشجرية وحول الأراضي من مورد إنتاجي إلى سلعة في السوق ساهمت في إثراء سريع وغير منتج ربما لآلاف المواطنين وبدون حتى ضرائب مناسبة إلى خزينة الدولة.

هنالك توجه لدى أمانة عمان والحكومة لإعادة فصل المناطق الست وربطها مع البلديات السابقة التي كانت تابعة لها وربما يترافق ذلك مع قانون البلديات الجديد والانتخابات البلدية، وهذا هو القرار الصحيح الذي سيخدم البلديات الست وسكانها بطريقة أفضل وكذلك يعيد عمان إلى وضعها شبه الطبيعي وبمساحة 678 كم مربعا أي تقريبا يمساحة مدن مثل شيكاجو وكوبنهاجن عاصمة الدنمارك.

الحديث الآن يدور حول ملفات فلسد مختلفة في أمانة عمان ولكن الفساد لا يقتصر فقط على الإدارة المالية غير النزيهة بل أيضا يمتد إلى القرارات التنظيمية والإدارية العشوائية والتي لا تخضع لنقاش حقيقي ولا حتى إلى تفكير تنموي سليم بل تعتمد على أفكار متسرعة وأحيانا مصالح شخصية مثل رفع اسعار الأراضي وتكون النتيجة ضغطا كبيرا على البنية النحتية وخدمات المياه والطاقة والصرف الصحي وجمع النفايات وتأهيل الشوارع وكل ذلك يتجسد في تكلفة سيدفعها دافع الضرائب خاصة في مناطق قلب عمان والتي بدأت تشهد تآكلا وترديا في نوعية الخدمات المختلفة.

من أجل ذلك كله، لا سبيل للتهرب من حتمية حصول سكان عمان على حقهم الديمقراطي في انتخاب أمين عمان ومجلس الأمانة كاملا ومساءلتهم فوريا وبشكل مستمر عن كافة القرارات التي يتم اتخاذها ويدفع ثمنها سكان المدينة.


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة  باتر محمد علي وردم   جريدة الدستور