أعتقد أن استمرار بقاء التيار "الوطني" في جماعة الإخوان المسلمين يضر بالجماعة وبالعمل السياسي والوطني، ويغذي حالة من التشدد الديني الخطيرة. وأصبح انقسام الجماعة ضرورة وطنية وإخوانية أيضا؛ فقد تحولت التيارات الرئيسة في الجماعة إلى جماعات مختلفة عن بعضها اختلافا كبيرا، وربما يكون مناسبا أن يخرج التيار الوطني المسمى "المعتدلون" أو "الحمائم" ويشكل تجمعا سياسيا جديدا، بالمشاركة مع آخرين، لأجل الاستجابة لمتطلبات الإصلاح الجديدة. ذلك أنهم (المعتدلون أو التيار الوطني) يشكلون حالة مخالفة لتاريخ الجماعة وطبيعة تركيبتها الاجتماعية والفكرية.. وهناك لحظة تاريخية لتشكيل تجمع وطني يتقدم إلى الانتخابات النيابية على أساس برنامج إصلاحي وطني. يجب أن نعترف أن ثمة تشكيلا كبيرا ومتمكنا في الجماعة، وتؤيده قاعدة اجتماعية واسعة، غير متحمس للمشاركة في الحراك الوطني والإصلاحي القائم، ويميل إلى مشاركة سياسية حذرة ومحدودة. ولا بأس من التعامل مع هذه الحالة بقدر من التفهم والاستيعاب، بدلا من دفع الجماعة إلى التشدد، وربما الهوس الديني. ذلك أن استمرار الضغط ومحاولة التأثير على الجماعة لتحويلها إلى العمل الوطني والإصلاحي يصطدم مع اتجاهات ومشاعر ومخاوف جزء كبير من القاعدة الاجتماعية للجماعة.. ولا بأس أن تبقى الجماعة على خطها التاريخي واتجاهها الذي بدأت تسلكه منذ العام 1989، ففي هذا الاتجاه إيجابيات ومكاسب قد يكون التفريط بها مضرّا بالجماعة والعمل السياسي بعامة. وقد تشكل تيار إخواني معتدل سياسيا، وقادر على إدارة وتنظيم المشاركة السياسية على أسس يمكن القبول بها برغم الاختلاف معها أيضا.. وهو التيار الذي يسمي نفسه أحيانا "المستقلين" وأحيانا "التيار الرابع"، وهم الأعضاء والقيادات الإخوانية المؤيدون لحماس. وقد يكون ترك المجال لهم ليديروا تجربة سياسية جديدة أفضل من نواح كثيرة، ودفعا لضرر كبير أيضا؛ فهم قادرون على التأسيس لشراكة سياسية مستقرة، كما فعلوا في مجلس النواب الأسبق (2003–2007). وفي المقابل، فإن استمرار الشد والجذب بين الأولويات الفلسطينية والأردنية للحركة الإسلامية سيحولها إلى جماعة متشددة دينيا، ويساهم في عزلة وسلبية قطاع واسع من المواطنين.
وفي الوقت نفسه، فإن خروج المعتدلين ومشاركتهم في عمل سياسي وطني جديد سوف يطور الحالة الوطنية التي تشكلت مع الربيع العربي، ويساهم في تحقيق إنجازات إصلاحية معقولة ومهمة (حسب نتائج الانتخابات النيابية)، تطور الحياة السياسية والعلاقة بين السلطة التنفيذية والمجتمع على أسس وقواعد سياسية واجتماعية جديدة. قد يبدو هذا الرأي مفرطا في الواقعية، ولكن يجب أن نعترف أن ثمة نسبة كبيرة من المواطنين غير متحمسة لمقولات وأفكار التيار المعتدل، بل وتبدي حذرا وترددا تجاهه، ومستعدة لتأييد برنامج سياسي قائم على علاقة جيدة مع "حماس" وشراكة أردنية فلسطينية. وقد لاحظنا ذلك بوضوح في الفرق بين مستوى الحشد والمشاركة في برامج الحركة الإسلامية عندما تكون حول القضية والفلسطينية وعندما يكون حشدها لأجل الإصلاح السياسي!
برنامج المعتدلين يعتمد نجاحه على توافر شرطين أساسيين: وجود كتلة اجتماعية ترتبط أهدافها ومصالحها بهذا البرنامج؛ والقدرة على إقناع المواطنين من أصل فلسطيني بمشاركة سياسية واسعة على أساس هذا البرنامج، وفي ظل عزوفهم عن المشاركة سيظل برنامج "فلسطيني" للحركة الإسلامية هو الأقدر على جذبهم.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة ابراهيم غرايبة جريدة الغد