من الواضح أن هنالك توافقا شعبيا على ضرورة التحول إلى نمط الحكومات البرلمانية الحزبية في اسرع وقت ممكن كمؤشر اساسي لجدية الإصلاح السياسي. قانون الانتخاب المقترح من لجنة الحوار الوطني قد يساعد جزئيا في تسييس العملية الانتخابية وبالتالي تمكين بعض المرشحين من اصحاب الفكر السياسي والحزبي من الوصول إلى البرلمان. بنفس الوقت فإن التعديلات الدستورية المقترحة تحقق المتطلبات الرئيسية للحكومات البرلمانية حتى وإن كانت لا تنص صراحة على قيام الملك بتكليف «رئيس الأغلبية النيابية» بتشكيل الحكومة، وهذه هي نقطة الخلاف الرئيسية بين مؤيدي ومنتقدي التعديلات. ولكن حتى لو لم يرد النص الواضح بذلك فإن وجوب منح الثقة المطلقة بالنصف زائد واحد لأية حكومة يعني أنها يجب أن تحظى بأغلبية نيابية. وما يزيد الأمور تأكيدا تصريحات الملك الواضحة في ضرورة التحول نحو تشكيل الحكومات وفق الأغلبية النيابية.
من المتوقع إذا أن يتم تشكيل حكومة قد تكون التالية بعد الانتخابات القادمة وفق الأغلبية البرلمانية ولكن من المهم أن نحذر هنا بأن هذا الامر لن يعني حلا سحريا للمشاكل السياسية في الأردن ولا يعني ابدا تتويج الإصلاح السياسي بسرعة لأن هنالك الكثير من التجارب والأخطاء التي سيتم ارتكابها قبل أن نصل إلى حالة متطورة من أداء الحكومات البرلمانية.
لقد شهد الأردن نمطين من الحكومات النيابية أولهما في تجربة عام 1956 عندما تسلم إئتلاف البعث والحزب الاشتراكي الحكومة برئاسة سليمان النابلسي. تختلف الآراء حول هذه الحكومة ما بين مؤيد مطلق لها رأى أن حلها كان تراجعا عن الديمقراطية وتدشينا للأحكام العرفية بينما يرى طرف آخر أن هذه الحكومة كانت تستجيب للتوجهات الناصرية والبعثية أكثر من المصالح العليا للدولة الأردنية فوجب إنهاء التجربة. الحالة الثانية كانت في بداية ومنتصف التسعينيات حيث تم إدخال بعض النواب في الحكومات وكانت تجربة فاشلة تماما حيث ركز النواب الوزراء على تقديم الخدمات لمناطقهم الانتخابية أملا في إعادة انتخابهم مما حدى بالملك الحسين رحمه الله إلى إنهاء هذه التجربة تماما والإعلان صراحة أنه لن يكررها مرة أخرى، ولحسن الحظ فإن الملك عبد الله الثاني استمر على نفس النهج
الآن الحالة مختلفة لأن الطموح هو نحو تشكيل حكومة من الأغلبية النيابية مباشرة كما في الملكيات الدستورية المتقدمة. في حال تم تطوير وتطبيق أفضل قانون انتخابات ممكن فإنه من الصعب تصور وجود أغلبية من حزب واحد في البرلمان المقبل مما يعني ضرورة تشكيل إئتلاف ربما بين 2-3 أحزاب أو تيارات أو كتل نيابية تتقارب في الأفكار والطروحات وهذه ستكون مسألة عويصة حيث سيتم التنافس على «كعكة الوزارات» بين الكتل المختلفة وربما بقاء الكثير من التباينات في الآراء والتي ستظهر أثناء أداء الحكومة وتؤثر على عملها. من المتوقع ايضا أن تكون كفاءة الكثير من الوزراء النواب محل شك نظرا لطغيان القوة الاجتماعية والسياسية للنواب على الكفاءة ولذلك من المتوقع أن نشهد غيابا لوزراء تكنوقراط وهذا ما قد يؤثر على الأداء خاصة في الجوانب الاقتصادية.
لا اقول ذلك من منطلق التشاؤم ولكن من المهم أن نتقبل ونترقب ايضا أن أداء أول حكومة أو حكومتين برلمانيتين قد لا يكون فعالا وربما أقل بكثير من أداء حكومات سابقة على النمط التقليدي. أن اختيار رئيس الوزراء المطلق لوزرائه كما في الوضع الحالي قد يتضمن أخطاء في اختيار وزراء غير أكفاء أو أصحاب أداء ضعيف ومدمر لوزاراتهم وربما أيضا يتم اختيار وزراء دون شخصيات قيادية ولكن ايضا حقق الكثير من الوزراء إنجازات وتركوا بصمات كبيرة في وزاراتهم وهكذا ستكون الحال في الحكومات البرلمانية حيث سوف تتباين كفاءة الوزراء وقدراتهم ولن تكون الحكومة مثالية. ولكن من المؤمل أنه بعد تجربة أو اثنتين سيتمكن الرأي العام الأردني من تشكيل أدواته الضاغطة في المراقبة والمحاسبة وعدم التساهل في عملية اختيار الحكومات البرلمانية وعدم قبول اي نوع من المجاملات السياسية والاجتماعية على حساب مصلحة الوطن.
باختصار، الحكومات البرلمانية لن تكون حلا سحريا فوريا ولكن من الضروري أن نمر في هذه التجربة حتى تنضج المعايير الديمقراطية في بلدنا، حتى لو كانت النتائج مؤلمة في المراحل الأولى.
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة باتر محمد علي وردم جريدة الدستور
|