منذ أن بدأ الحراك الشعبي في الأردن قبل سنة تقريبا، وقبل أحداث تونس ومصر، كان شعار مكافحة الفساد هو واحد من أهم المحاور التي أجمعت عليها عدة تيارات وأحزاب وقوى سياسية مستجدة ومخضرمة، وبدا وكأن مكافحة الفساد هو العنوان الجامع لكافة هذه الحركات والتي تختلف بشكل جذري في كثير من التفاصيل السياسية والاقتصادية الأخرى. مكافحة الفساد هي أيضا الشغل الشاغل للأحاديث الشعبية وللتغطيات الإعلامية وفي كل شبهة فساد إداري أو قرارات غير مفهومة في التعيين والإقالة يتم الحديث بشكل مباشر عن روابط الفساد مع هذه القرارات حتى لو كان ذلك عن طريق الاستنتاجات لا المعلومات الموثقة.

في بعض الأحيان اتخذت جهود وشعارات مكافحة الفساد مسارات خاطئة، مثل محاولة اختصار الفساد بعدد محدود من الشخصيات الاقتصادية والسياسية وتركيز كافة الاضواء عليهم وكأنهم الذين تسببوا وحدهم في ضياع المال العام، وأحيانا كان يتم التعامل شعبيا مع الفساد بطريقة انتقائية وضمن سياق تصفية حسابات سياسية، وأحيانا كانت الإشاعات واغتيال الشخصية هي سيدة الموقف. وحتى هذه اللحظة لم يتم إيصال التحقيق في أية قضية فساد كبرى إلى نهاياتها الطبيعية في مساءلة ومحاسبة المتسببين بها، كما لم يتم الكشف عن كثير من التفاصيل المتعلقة بالقضايا التي أثارت اهتمام الرأي العام.

ولكن مكافحة الفساد لا تقتصر على القضايا الكبرى فقط بالرغم من اهميتها، بل يجب مكافحة الفساد الإداري والمالي والذي يحدث يوميا. في صحف امس حديث عن شبهات فساد في برنامج تلفزيوني وفي تسريب اسئلة المجلس الطبي الأردني وفي توقيف رئيس بلدية سابق وغيرها من الأخبار التي تشير إلى أن الفساد متجذر في السلوك الإداري في عدة مؤسسات وهو ليس مرتبطا بشخصية واحدة أو اثنتين يتم تحميلها المسؤولية دائما.

يجب عدم التهرب من حقيقة أن نسبة في المجتمع الأردني تدعم وتحمي الفساد لأن ثقافة تشجيع الفساد حاضرة بقوة فيما يتعلق بمكتسبات المناصب والسلطة في الإدارة العامة والخاصة في البلد. ان المسؤول الذي يقوم بتعيين أقاربه وأصدقائه في المؤسسات التي يديرها يعتبر المسؤول الأكثر احتراما في المجتمع، ويحظى بكل أشكال التقدير والاحترام من بيئته الاجتماعية. أما المسؤول الذي يرفض التوسط لمعارفه ويهتم بمعايير المهنية في التعيين فهو مسؤول ضعيف وغير فعال في نظر المجتمع القريب منه، وعادة ما يوصف «أنه لا خير فيه لأهله، ولا خير فيه لبلده» الفكرة السائدة عن الفساد في الأردن هي فكرة مقبولة أحيانا ما دامت تخدم الشخص المعني، بل أن الفساد يعتبر «شطارة وفهلوة» في نظر بعض الأشخاص، ولكنه يصبح مرفوضا إذا تسبب في مكاسب لطرف آخر. ان مدى أخلاقية الفساد والواسطات في المجتمع قد يعتمد إذن على معيار المكسب النهائي، فلا مشكلة مع الفساد إذا كنا مستفيدين منه ولكننا نرفضه إذا خسرنا ما نريده، أو ما نعتقد أنه حق لنا أما اسوأ الإشارات التي يمكن إرسالها في سياق مكافحة الفساد أو حمايته، فهي عند قيام السلطة التنفيذية بمعاقبة المسؤول الذي يتمسك بالنزاهة ونظافة اليد في مواجهة الضغوطات، وهذا يعني أن الحفاظ على قيم النزاهة يصبح أمرا أكثر صعوبة حتى في سياق الحديث المعلن عن مكافحة الفساد ويكون الحل الافضل والأسلم للمسؤول هو السير مع التيار وعدم مقاومة النهج السائد سواء من قبل من يضغط عليه من اقاربه واصدقائه أو رؤسائه، وبالتالي يصبح تجاوز القوانين أفضل خيار لإرضاء الجميع، فمن هذا الذي يريد أن يستمر في «حمل السلم بالعرض» ويقف في وجه الفساد، وما الذي سوف يستفيده في نهاية الأمر؟.


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة  باتر محمد علي وردم   جريدة الدستور