ثمة إقبال مجتمعي كبير على التعليم، يكاد يكون مبالغا فيه. وأخشى أن أكبر مستفيد من هذا الإقبال هو بعض استثمارات فجة، تزين للناس التعليم بنفس الطريقة التي يسوق بها الشامبو والعطور!
ويبدو، لشديد الأسف، صحيحا أن المستثمرين يفهمون اتجاهات المجتمعات أكثر من التنمويين؛ كيف نحول الإقبال المجتمعي إلى منجزات إصلاحية وتنموية؟ كيف نتجنب الكارثة الناشئة عن الإقبال المجتمعي على التعليم؟
فالمدارس الخاصة التي تتكاثر مثل الفطر، في الوقت الذي لم نشاهد مدرسة جديدة تبنى لوزارة التربية والتعليم، ينذر بكارثة خطيرة على التعليم، أولها أن المدارس الخاصة لم تعد تعمل في بيئة تنافسية مع وزارة التربية، ولذلك لم تعد بحاجة إلى أن ترفع مستوى الجودة والنوعية في التعليم. وأصبحت المدارس الخاصة قدرا لا مفرّ منه، وتتحكم بالطلبة وأولياء الأمور من غير تعليم ولا إبداع ولا نشاط مدرسي حقيقي. وما تلقيناه في مدارس فقيرة في الريف من غير ميزانيات ولا تكاليف تذكر، يزيد أضعافا مضاعفة عما يتلقاه أبناؤنا في مدارس تتقاضى أقساطا هائلة، تزيد على ضعف أقساط الجامعات!
ولم تعد المدارس الخاصة ميزة تضحي لأجلها الطبقة الوسطى، كما كان الحال قبل خمس عشرة سنة على أبعد تقدير. ولم تعد مدارس وزارة التربية والتعليم خيارا متاحا، لأنها تكاد تكون غير موجودة، ويحتاج وليّ الأمر إلى واسطة ونفوذ ليجد مقعدا لابنه أو ابنته في مدرسة حكومية تحشر أكثر من خمسين تلميذا في غرفة صفية واحدة.
قصص النجاح والتفوق والنماذج الجميلة التي تعرض عن التعليم تزيد قلقنا على مصير التعليم ومستقبله، أكثر مما تبشر بخير أو أمل؛ فالنماذج النادرة في الإبداع والنجاح يمكن أن نجدها حتى في الصومال، ولكننا بحاجة إلى أن نثق في البيئة العامة للتعليم، وأن جميع طلبة البلد يتلقون الفرص نفسها في التعليم والرعاية، وبعد ذلك فإن التفوق والنجاح يكون إنجازا نعتزّ به.
وعلى المستوى الاجتماعي والإصلاحي، فإن إعراض الطبقة الوسطى عن الخدمات الأساسية التي توفرها الدولة، وعدم ثقتها فيها، يؤشران على يأس من الإصلاح، لأنه وببساطة تتقدم المؤسسات الحكومية والعامة بمقدار وعي الطبقة الوسطى بالفرق بين ما تريده من المؤسسات وما تقدمه. الإصلاح والتطوير هو إدارة هذا الفرق، وحين تغيب هذه الرؤية تغيب بوصلة الحكومة والمجتمعات!
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة ابراهيم غرايبة جريدة الغد