التصعيد والتهجم الشخصي، والزج بالبعد العشائري في مواجهة تعيين سفير أردني في إسرائيل، لا يخدم العمل السياسي المفترض في معارضة معاهدة السلام والتسوية السياسية مع إسرائيل، بل يحولها إلى أعمال غير لائقة، وتحريض فيه إساءات كثيرة، وربما يقحم في المسألة أبعادا شخصية وغوغائية ومعارك جانبية، ويضيع قواعد الحياة السياسية المؤسسية، ويفتح المجال واسعا لإفساد الحياة السياسية والإدارة العامة للدولة والمجتمع، ويعود بهما إلى مرحلة سابقة للدولة! وقد تستخدم المعارضة السياسية غطاء للخلافات الشخصية والأحقاد، وربما الجريمة (لا سمح الله).
نعلم أن تبادل السفراء بين الأردن وإسرائيل هو من متطلبات المعاهدة التي وقعت وأقرها البرلمان الأردني العام 1994؛ فالمعارضة، إذن، متصلة بالمعاهدة وتوقيعها، ومواجهتها تكون بنفس الطريقة والمداخل التي وقعت ونفذت بها؛ من خلال مجلس الأمة. وبالطبع، فإن للمؤسسات المجتمعية وغير الحكومية وسائلها وأدواتها في العمل والضغط والتأثير، ولكنها متصلة بالمجتمع وليس الدولة. ولكن، هل تريد الحركة الإسلامية والمعارضة السياسية بعامة إلغاء المعاهدة؟ وهل تسعى إلى ذلك بالفعل؟ وإذا حصلت على أغلبية برلمانية وشكلت حكومة، فهل سوف تلغى المعاهدة؟
على أي حال، فإن الجدل حول السلام والتسوية السياسية يأخذ اتجاهين: أحدهما مؤسسي متعلق بالدولة ومؤسساتها وموظفيها؛ والآخر مجتمعي متصل بالعمل الإعلامي والسياسي غير الرسمي، ولا يجوز بحال الخلط بينهما. فمسؤولو الدولة وموظفوها لا يعملون بقناعاتهم ومعتقداتهم غير المتصلة بعملهم ومواقعهم، ولا يحاسبون ولا يطلب منهم أن يعملوا ويتخذوا مواقف عملية على طريقة المؤسسات والشخصيات غير الرسمية ولا يجوز مطالبتهم بذلك. ومعارضة الحكومة للتأثير على مواقفها وسياساتها مختلفة أيضا عن التأثير على الأفراد والجماعات والشركات.
الواقع أن عمليات مواجهة التطبيع مع إسرائيل في الأردن تتحول إلى عقوبات للذات، وحرمان من الفرص الناشئة عن معاهدة السلام مع إسرائيل، وتحولها إلى أضرار بلا منافع، وتسلك سلوكاً مزدوجاً غريباً. ففي الوقت الذي يُستقبل الشيخ رائد صلاح، على سبيل المثال، باعتباره مناضلاً ضد الاحتلال (وهو كذلك بالفعل)، لا يلتفت أحد إلى أنه يحمل الجنسية الإسرائيلية، ويرأس مجلساً بلدياً في ظل النظام السياسي والانتخابي الإسرائيلي؛ بل إن قدرته على النضال والعمل والتحرك في إسرائيل وفلسطين ناشئة عن الحقوق والفرص التي تمنحها له مواطنته الإسرائيلية. وفي الوقت الذي تشن هجمة إعلامية على جامعة أردنية لحرمانها من فرص تطوير تقنيات المياه في بلد هو الأفقر مائياً في العالم، وهو أحوج ما يكون الى مثل هذه التقنيات، لا يريد أحد أن يلتفت إلى أن المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية إنما هي مشروعات ينفذها فلسطينيون، وأن نسبة مساهمتهم في العمل والتنفيذ فيها تساوي مئة في المئة، وأنه من دون هذه المشاركة الفلسطينية يستحيل بناء بيت واحد في الضفة الغربية.
هذه الحملات الإعلامية والشعبية ضد المشروعات والبرامج المشتركة مع المؤسسات والجامعات الإسرائيلية تضر كثيراً بالمصالح الوطنية والفرص المتأتية من العلاقة مع إسرائيل، وتحولها إلى عبء وخسائر صافية بدلاً من أن تكون مزيجاً من المكاسب والمخاسر.
وإذا عادت المعاهدة بفوائد اقتصادية وعلمية على البلد أو المواطنين، فهذا مكسب كبير ومهم يجب تقديره، بل هو إنجاز وطني نعتز به، ولا يدعو إلى الخجل. والقيام بأعمال وبرامج في السر سيكون مدخلاً محتملاً للفساد والتجاوزات، فتكون خسائرنا مضاعفة، وتصبح برامج ومواقف "مقاومة التطبيع" في الحقيقة سبباً في الفساد، بل تصبح موقفاً يطلبه ويتمناه المستفيدون شخصياً من التطبيع.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة ابراهيم غرايبة جريدة الغد